كتب منير الربيع في “المدن”:
تشير العملية الأمنية الجديدة في إيران، والتي أدت إلى اغتيال “أب القنبلة النووية” وفق التوصيفات الأميركية والإسرائيلية، إلى عدم وجود أية تحضيرات أميركية لعملية عسكرية كبرى أو مفتوحة ضد طهران.
إنها جزء من العمليات الأمنية والمخابراتية التي لن تتوقف. وهذه قناعة القوى كلها. ولكن إيران تجد نفسها أمام ردّ حتمي على هذه العملية، كي لا يتكرر الكثير منها بدون ردود فعلية وفاعلة.
فطهران تعتبر أن اميركا وإسرائيل تريدان استغلال المدة المتبقية من ولاية ترامب، لتنفيذ أكبر قدر من العمليات القوية ضدها، بدون الوصول إلى معركة مفتوحة. وترتكز وجهة النظر الإيرانية على أن إسرائيل تريد بهذه العمليات استدراج طهران للردّ، والدخول في مواجهة. لذلك يأخذ البحث الإيراني عن ردّ، هذه المسألة في الاعتبار، لعدم التورط بمواجهة كبرى.
ستزيد العملية الاستنفار والتوتر الأمني والعسكري لدى إيران وحلفائها. والاستنفار أعلن نفيره العام منذ صدور نتائج الانتخابات الأميركية. وكانت أولى مندرجاته في لبنان إعلان أمين عام حزب الله حسن نصر الله التحسب لحصول أية خطوة أميركية أو إيرانية متهورة، فطلب من جهاز حزبه العسكري اتخاذ إجراءات الجهوزية الكاملة.
وتكشف المعلومات أن حزب الله عمل في الفترة الماضية على إجراء تغييرات تكتيكية ولوجستية في جنوب سوريا وجنوب لبنان. فأرسل المزيد من التعزيزات العسكرية إلى الجنوب، وأعاد انتشاره في جنوب سوريا وفق مقتضيات المرحلة. وذلك لتجنب المزيد من الضربات وسقوط خسائر، وتحسباً لحصول تطور، وليكون قادراً على فتح الجبهتين اللبنانية والسورية في حال حصول طارئ أو تطور.
والمفارقة أن العملية الأمنية النوعية حصلت داخل الأراضي الإيرانية. ما يعني أن المعركة أصبحت داخل البيت الإيراني.
طبعاً ليست هذه المرة الأولى من عمليات اغتيال علماء نوويين إيرانيين. وهي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل اغتيال هذا الرجل نفسه. وهذا بعد عملية قرصنة إلكترونية إسرائلية قبل سنوات، للحصول على تفاصيل ومعلومات حول الملف النووي الإيراني. وصورة فخري زاده نشرها وشهر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
والعملية الجديدة مختلفة جذرياً عن اغتيال قاسم سليماني، الرجل الأقوى لإيران ومشروعها الخارجي. فاغتيال سليماني حصل في العراق وليس على الأراضي الإيرانية، وبالتالي يفترض أن يكون الحساب عن هذا يختلف عن الحساب عن ذاك.
وجاءت الضربة بعد إعلان أكثر من مسؤول إيراني أن الكر والفر بين إسرائيل وإيران قد انتهى. كان القصد أن عمليات الاستهداف الإسرائيلية للإيرانيين وحلفائهم في سوريا ستتوقف.
لكن ما هي إلا ساعات حتى جاءت الغارات الإسرائيلية على محيط دمشق والقنيطرة. وهذا فرض على إيران إجراء عمليات إعادة تموضع لقواتها في سوريا. وتعتبر إيران وحزب الله أن هذه العمليات كشفت عن السبب الذي أدى إلى إرسال الأميركيين المدمرة b52، وحاملة الطائرات التي واكبت مثل هذه العمليات الأمنية في المنطقة، والتي قد تستدعي ردّ فعل إيراني، إضافة إلى مواكبة عملية الانسحاب الأميركي من المنطقة.
كل هذه الوقائع تدفع حزب الله إلى الاستنفار أكثر، لا سيما في الجنوبين اللبناني والسوري، وتحديداً في درعا والقنيطرة والسويداء. وتشير المعلومات إلى أن حزب الله عمل على نقل عدد من قواته العسكرية من القنطيرة باتجاه درعا. وقبل الغارات الإسرائيلية على سوريا، وقبل اغتيال العالم النووي الإيراني، كان قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني قد زار لبنان في الأيام الماضية، والتقى بأمين عام حزب الله، وبقيادات أخرى. وطلب التهدئة والحفاظ على الواقع القائم وعدم إعطاء إسرائيل أو أميركا أي فرصة للتصعيد أو فتح المعركة، ولكن شرط الجهوزية الكاملة لأي احتمال.
وانتقل قاآني إلى بغداد، فالتقى قيادات الحدش وطلب منهم الاستمرار في التهدئة ووقف العمليات ضد المصالح الأميركية. وهذا أيضاً كان مضمون لقائه مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
كذلك فعل قاآني في زيارته إلى سوريا. وتتحدث المعلومات عن خلافات بين حزب الله في الجنوب السوري والجيش السوري. ورفض قاآني أي تصعيد من قبل السوريين أو حزب الله ضد الإسرائيليين انطلاقاً من سوريا.
هذا كله حدث قبل عملية الاغتيال. أما ما بعدها، فإن العمليات الأمنية والاستخبارية ستستمر، من دون فتح معارك كبرى.