كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
لا شك أنّ الصحة أولوية قصوى قبل أي شيء آخر، وهذا يعني صحتنا الشخصية، وصحة عائلاتنا، وصحة شيوخنا التي يجب ان تكون محور كل اهتمامنا. فمن دون صحة لا نستطيع أن نُنتج ولا نُوظّف ولا نستثمر. فالصحة هي نقطة الانطلاق والتنفيذ لأيّ موضوع أو نشاط أو حياة كريمة، في وقت نخسر فيه أعمالنا، وممتلكاتنا، ومؤسساتنا، ومدّخراتنا ونخسر أيضاً اقتصادنا وبلادنا. لكننا في الوقت عينه، لا نريد أن نخسر صحتنا التي لا بديل منها.
من المهم تحديد الأولويات، وإعلان قرارات وتنفيذ استراتيجيات وخطوات تحمي اقتصاد البلاد ومصالح المواطنين، وتَقيهم الحاجة والعوَز. وتالياً، علينا أن نتفق على الآتي: هل الحماية الصحية اليوم تعني إعلان قرارات عشوائية غير مدروسة؟ أو أنّ الحماية الصحية يجب أن تكون استراتيجية متجانسة، متكاملة، ومنفّذة بطريقة واضحة؟ وهل يُمكن تنفيذ إقفال عام من دون الإقرار بالتوازي، للحماية الإقتصادية والإجتماعية لمواطنيها، والقيام بمشروع متكامل صحي واقتصادي واجتماعي؟
لا شك في أننا كلنا نريد وَقف تفشي الوباء، وإنّ الإقفال لأسبوع أو أسبوعين قد يُخفف بنسَب ضئيلة تَمدّد الوباء، لكن عندما نعود إلى الحياة الطبيعية سنضرب من جديد أرقاماً قياسياً. إنّ وقف التجوّل بعد الساعة الخامسة مساء، قد يُخفّف التقارب الإجتماعي، وفي الوقت عينه يضغط الأسواق بطريقة غير منطقية لساعة أو ساعتين قبل الإقفال، ويرفع من خطورة التفشي مجدداً.
من جهة أخرى، وما بعد الإقفال العام، ما هي تكملة هذه الإستراتيجية؟ وهل نستطيع أن نعود إلى الحياة الطبيعية؟ طبعاً لا.
عندما نُقفل الأسواق والمؤسسات من دون استراتيجية متكاملة، فإننا لسوء الحظ لن نُنجز أي شيء، والهلع الذي يسبق التعبئة العامة بأيام والذي يليها سيجعل تفشي الوباء أكثر بكثير من الأيام الطبيعية.
لذا، نسأل: أليست مشكلتنا الأساسية تكمن في عدم مقدرتنا على استيراد الأدوية والمعدات واللوازم الطبية لمحاربة الوباء تقنياً؟ أليس الحل يبدأ بمساعدة ودعم المستشفيات لتوسيع قدرتها الاستيعابية؟
الكلّ يعلم، إنّ المشكلة الأساسية في المستشفيات الحكومية تحديداً، هي أنّ الأموال والمعدّات الطبية التي أُرسلت إليها مؤخراً قد أُهدرت منذ أمد بعيد. كما أنّ المشكلة الأساسية في المستشفيات الخاصة هي أنّ كل أموالها ومستحقاتها موجودة في الدولة، وفي الضمان الإجتماعي أيضاً الذي لم يعد في مقدوره أن يدفع مستحقاته للمواطنين المضمونين.
لذلك، لمَ يريد البعض معالجة المشكلة ظاهرياً وليس في العمق؟ إنّ مشكلتنا الأساسية تكمن في عدم قدرتنا على إدارة الأزمات. إنّ الإدارة نفسها التي واجهت أزمة النفايات لمدة سنتين، هي نفسها التي ستواجه وباء كورونا. كما أنّ السلطة نفسها التي واجهت الحرائق بمعدّات معطّلة ومن دون صيانة، هي التي ستواجه هذا المرض الخبيث.
نعم، إنّ الإدارة نفسها التي تواجه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنقدية، هي نفسها التي ستُواجه هذه الجائحة بالطريقة عينها.
آسف للقول إن إدارتنا اللبنانية عاجزة عن حماية شعبها، وتُحاول أن تختبىء وهمياً وراء إصبعها.
إنّ الحل الوحيد اليوم للحماية من هذا الوباء، في ظل غياب استراتيجية متكاملة وإدارة حقيقية، يَكمن بالحماية الشخصية، ووضع الكمّامات طوال النهار، وتحقيق التباعد الإجتماعي، والتعقيم الدائم للأشخاص والأماكن، والتبليغ عن الأشخاص المخالفين لإجراءات الحماية المُشار اليها، والتبليغ والاستبعاد ومعاقبة المخالفين.
إنّ كل اللبنانيين معنيون بمحاربة وباء كورونا، ونُبدي خوفاً شديداً من تمدّده، لكن في الوقت عينه، علينا أن نُوقف الأزمة الاجتماعية الراهنة. فما الفائدة من أن نحمي وهمياً الأشخاص من أن يُصابوا بهذا المرض، في مقابل أن يموتوا جوعاً أو من الاحباط أو من الأمراض القلبية نتيجة الكارثة الإجتماعية؟
أذكّر، إنّ اقتصادنا مبني على المهن الحرة، وإنّ هؤلاء العمال الكادحين يعتاشون من مداخيلهم اليومية، وإنّ القيام بحرمانهم من المساعدات المالية والإجتماعية لا يؤدي إلى الحل الناجع.
في المحصّلة، إنّ القرارات العشوائية لا تُوصِل إلى أي نتيجة، إنما الإستراتيجيات المتكاملة والمتجانسة هي الوحيدة التي توصلنا إلى النتيجة المرجوّة، والوعي الكافي والحماية الشخصية يُمكن أن يوصلانا إلى النتيجة المضمونة.