لماذا أرجئت جولة التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل التي كانت محددة غدا الاربعاء، حتى إشعار آخر؟ هل الاسباب تقنية بحت ام ان هذا التأجيل يخفي ابعادا سياسية كبيرة، تؤشر الى انتقال الملف من مرحلة الى اخرى، متأثرا بالعقوبات الاميركية من جهة وبنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية من جهة ثانية وبالتطورات الاقليمية كلّها لا سيما على الخط الاميركي – الايراني، من جهة ثالثة؟
لا جواب واضحا حتى الساعة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، على امل ان تساعد جولة الاتصالات التي سيجريها الوسيط الاميركي جون دو روشيه (رئيس الوفد الاميركي المشارك في المفاوضات) في الايام المقبلة في بيروت، في جلاء الصورة ومعالمها في شكل اوضح على هذه الضفة. فاذا كانت “القصة” متعلّقة بالسقف المرتفع الذي يفاوض على اساسه لبنان، منطلقا من الخرائط والمستندات التي في حوزته، والتي تؤكّد حقّه في الاستحصال على مساحة بحرية تتخطى بكيلومترات، تلك التي يقترحها الاميركيون والاسرائيليون، فإن هذه المسألة قد تكون قابلة للحل، ويجب الا تؤدي الى توقيف المفاوضات. فما على اسرائيل الا إبراز مستندات تثبت العكس وحقّها هي، في السيادة على هذه البقعة البحريّة. وإن لم تفعل – وعلى الارجح لن تفعل – يجب ان تشكل طاولة محادثات الناقورة، بابا لتكريس لبنانية هذه المساحة. على اي حال، لو لم يكن هناك خلاف حول “هويّة” هذه المياه، لما قامت مفاوضات بين الدولتين.
اما اذا كان الارجاء “سياسيا”، فهنا حديث آخر، والتعقيدات اكبر، تتابع المصادر. فالولايات المتحدة، من غير المستبعد ان تكون قررت فرملة هذه المفاوضات، في سياق تشددها مع الدولة اللبنانية وأركانها. فبعد العقوبات الاميركية على اقرب المقربين من رئيس الجمهورية رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وفيما يُحكى عن عقوبات جديدة قريبة ستطال كلّ من يقدّم الدعم في شكل من الاشكال لحزب الله، قد تكون ادارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب قرّرت الذهاب ابعد في التصعيد، (وهذا ما نلمسه مثلا في غطائها او ضلوعها في عمليات تصفية شخصيات ايرانية او قيادات في الحرس الثوري في الآونة الاخيرة)، لنيل تنازلات اكبر من المنظومة اللبنانية لصالح تل ابيب، او لعدم تقديم هدية ترسيم كامل لصالح بيروت، للسلطة الحاكمة اليوم في بيروت، المقرّبة من حزب الله من جهة، والضالعة في عمليات فساد وسمسرات لا تعدّ ولا تحصى، وفق الخزانة الاميركية، من جهة ثانية.
واذ تلفت الى ان زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى الرئيس نبيه بري امس في اعقاب ارجاء المفاوضات، بدت لافتة، وكأنها اشارة الى مؤاثرة الادارة الاميركية التشاور في هذا الموضوع مع عين التينة، على بعبدا التي انتقل ملف المفاوضات اليها بعد اعلان الاتفاق الاطاروربما محاولة دق اسفين بين الرئاستين الاولى والثانية، تقول المصادر ان ما سيحمله دو روشيه الى المسؤولين اللبنانيين في الساعات المقبلة سيكشف الخيط الابيض من الاسود في أبعاد الارجاء. في المقابل، لا تسقط المصادر من حساباتها ايضا، احتمال ان يكون مصدر “التريث” لبنانيا، فمفعول العقوبات الذي دفع الجميع الى الذهاب نحو التفاوض منذ اشهر، بعد ان طالت يد الرئيس بري اليمنى النائب علي حسن خليل، قد يكون تلاشى اليوم مع خسارة ترامب الانتخابات. وبالتالي يفضّل اهل الحكم في الداخل، تعليق هذه المشاورات الى حين استلام ادارة الديمقراطي جو بايدن مقاليد القيادة في البيت الابيض، فتبقى المفاوضات ورقة في يد طهران من ناحية، وربما تحكمها حينها شروطٌ اقلّ انحيازا لاسرائيل من ناحية ثانية (مع ان هذا الرهان في غير مكانه)، تختم المصادر.