لا شك في أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري درس بعمق كيفية إخراج المجلس من “الزاوية” التي حشره فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بقراره استخدام صلاحياته لتوجيه رسالة إلى النواب يحثهم فيها على التعاون مع السلطة التنفيذية في مجال التدقيق الجنائي. فكان القرار التوصية الشهير الذي لم يحل المشكلة إلا جزئيا، من خلال تأكيد التوافق السياسي العريض على إنطلاق هذا المسار، من دون إزالة العوائق القانونية، التي عاد وأكد عليها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الثلثاء. كل هذا فيما تقف بعبدا في موقع انتظار ما سينتهي إليه الشوط النيابي من المباراة.
وفي السياق، لم تخف مصادر سياسية مراقبة عن “المركزية” ما تسميه “استغرابًا” إزاء الجمود الذي يغلف القصر الجمهوري في هذا المجال، منذ صدور القرار الشهير. وفي السياق، أكدت المصادر أن أحدًا لا يمكنه أن يحرم رئيس الجمهورية أو أن يشكك في حقه في استخدام صلاحياته الدستورية في رمي الكرة في ملعب المجلس، ليمارس الأخير دوره أيضا على أكمل وجه. إلا أن الأهم أن الرسالة التي حاول بري ايصالها هي الآتية: البرلمان شريك كامل في هذا المسار، تماما كما رئيس الجمهورية. لذا، نراه أخذ الموضوع على عاتقه، وفتح السجال الصاخب حول الاحتياطي واستنزافه والدعم المهدد بـ “الانقراض” في اللجان المشتركة، في مقابل جمود من جانب بعبدا، مع العلم أن كل هذا يجري فيما حكومة تصريف الأعمال غائبة تماما عن الصورة، وهو ما انتقده أمين سر تكتل “لبنان القوي” النائب ابراهيم كنعان في مجلس النواب.
كل هذا المشهد السوداوي الذي لاقته الرئاسة الفرنسية ببيان عنيف انتقدت فيه بشكل مباشر القوى السياسية التي نكثت بالوعود التي قطعتها أمام الرئيس ايمانويل ماكرون يستدعي، بحسب المصادر، تدخلا سريعا من رئيس الجمهورية، من خلال الدعوة إلى طاولة حوارية جامعة تبحث في خلالها الكتل الحاضرة في المجلس في إشكاليات التدقيق الجنائي، عل إنطلاقه ينال غطاء رئاسيا من شأنه تسريعه. على أن المصادر لم تغفل أيضا حض عون على فتح الملف الحكومي على مصراعيه والبحث المعمق في أسباب التأخير وكباش المعايير، في وقت يبدو الجميع على دراية تامة بأن البلاد واقتصادها وناسها ما عادوا يملكون ترف استنزاف الوقت في الحروب التحاصصية المعتادة.