مرة جديدة، خذل ضاربو مواعيد اللقاء الذي طال اتنتظاره بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. فالأخير خرج مجددًا على توقعات المتفائلين ولم يزر بعبدا في اليومين الماضيين، فيما لا مؤشرات إلى خطوة من هذا النوع في الساعات المقبلة، حتى اللحظة على الأقل.
ولكن، أبعد من صورة اللقاء بين قطبي تأليف الحكومة، فإن إحجام الحريري عن لقاء عون، على رغم اعترافه أمام أعضاء كتلته بأن تشكيلة من 18 وزيرًا باتت جاهزة، على حد قول نائب رئيس تيار “المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش في مداخلة إذاعية، يعني أن الكباش بين الطرفين لا يزال في بداياته، في ظل تماه تام بين رئاسة الجمهورية والتيار “الوطني الحر” في مسألة الوزراء المسيحيين، مقابل الضغط الفرنسي والدولي في اتجاه استيلاد الحكومة في أسرع وقت ممكن.
وفي هذا الاطار، دعت مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” إلى عدم إغفال عامل أساسي دخل على خط حسابات التشكيل، إلى جانب المحاصصة المعتادة. إنها العقوبات الأميركية على رئيس “التيار” النائب حبران باسيل الذي اتهمته واشنطن بالفساد، إلى جانب دعم “حزب الله”. ذلك أن باسيل الذي لا يشك أحد في أنه على دراية تامة بأن من شأن العقوبات أن توجه إليه ضربة دولية وسياسية قاسية. هذا ما يفسر، في نظر المصادر، تسريب معلومات عن الاجتماع الأخير بين الرجلين تفيد بأن عون طلب من الحريري التفاهم مع رؤساء الكتل على تشكيلة متكاملة يعود بها إلى بعبدا. وفي ذلك محاولة لإعادة تعويم باسيل سياسيًا بوصفه رئيس أكبر كتلة نيابية.
وفي وقت لم تنف بعبدا هذه المعلومات بشكل رسمي، مكتفية بالتذكير بأن التأليف يتم بين عون والحريري حصرا، تدرج المصادر الرسالة التي بعث بها باسيل إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل أيام، يؤكد فيها تسهيل “التيار” مهمة الرئيس المكلف، في محاولة لغسل يديه من تبعة تعطيل دوران عجلات التأليف. مع العلم أن تكتل “لبنان القوي” تماهى مع موقف باسيل، من دون أن يغيب عن باله التركيز على دور عون كـ “شريك كامل في عملية التأليف”، وهو ما يفسر على أنه قنص في اتجاه الحريري الذي اختار بعض الأسماء المسيحية للتوزير بمعزل عن رأي بعبدا.
على أن الحريري المتمسك بسياسة الصمت المطبق على اعتبار أن “كثرة الطباخين بتشوشط الطبخة” فهم الرسالة جيدا، بدليل أن لا يزال يحجم عن لقاء باسيل، ولا يبدو أن لقاءه وعون سيكون قريبا، معتبرًا أن ما يجري من تبادل للرسائل في حلبة التأليف لن يجعله يحيد عن موقفه من حيث الالتزام بمندرجات المبادرة الفرنسية الداعية إلى تأليف من الاختصاصيين البعيدين عن الأحزاب التقليدية. لكن الأهم يبقى في الخلاصة السوداوية لبلاد ترقص على حبال كل الأزمات: التأليف طويل والخروج من النفق إلى الضوء لا يزال بعيد المنال.