في 27 آب الماضي، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “من أن لبنان يواجه خطر الزوال، بسبب تقاعس النخبة السياسية عن تشكيل حكومة جديدة، تقوم بتنفيذ إصلاحات عاجلة وحاسمة للبلاد، مؤكدًا ان “المجتمع الدولي لن يوقع شيكا على بياض، إذا لم تطبق (السلطات اللبنانية) الإصلاحات. يجب أن يفعلوا ذلك بسرعة، لأن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان”.
اليوم، بعد ثلاثة اشهر ونيّف، وعلى رغم خطورة التحذير الفرنسي المترافق مع جهود دبلوماسية جبارة تبذلها فرنسا على اكثر من مستوى لإقناع لبنان بالتحرك نحو تنفيذ إصلاحات من أجل تأمين المساعدات الخارجية اللازمة لتعويض الانهيار المالي، لم تحرك، ما لم يعد ينطبق عليها توصيف “النخبة الحاكمة” ساكنا، لا في اتجاه تشكيل حكومة ولا نحو الشروع في ابسط خطوة اصلاحية، بغض النظر عن المحاولات التي تبقى حتى الساعة غير جدية ما دامت لم تقترن بقرارات تنفيذية واجراءات عملية للتدقيق الجنائي في حسابات كل وزارات وادارات ومؤسسات الدولة والصناديق والمجالس حيث مزاريب الهدر مفتوحة على غاربها. فهل يَصدُق تحذير لودريان وينتقل من النظري الى العملي؟ وهل ان الخطر الوجودي يتهدد لبنان حقيقة ام ان التحذيرات الدولية مثابة حث للمسؤولين على الاقدام والنزول عن شجرة المطالب والشروط ومحاولة تغطية مسار الفساد المزمن؟
تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ”المركزية” ان زوال لبنان ليس نزهة، هو يحتاج الى قرار دولي كبير غير متوافر حتى الان، ما دامت الجهود الدولية تبذل في اتجاهات عدة بقيادة فرنسية لانقاذه واعادته الى موقعه الطبيعي على الخريطة الدولية. وقد برزت في الاونة الاخيرة اكثر من اشارة في هذا الاتجاه من بينها الحركة الاغترابية اللبنانية والدعوات لفك اسر لبنان من محور الممانعة الذي دفعه، الى جانب الفساد المستشري نحو قعر الحفرة. هذه الاشارات ستتكثف في الفترة المقبلة لتفعل فعلها على غرار ما ادت اليه في العام 2006 بإخراج الجيش السوري من لبنان.
واذ تعزو عمق الازمة الوجودية التي يتخبط فيها لبنان الى تحكم المحور الممانع بالقرار اللبناني واحكام السيطرة عليه، وقد اقرت ايران بعيد الانتخابات النيابية اللبنانية بالسيطرة على اربع عواصم عربية من بينها بيروت، وذلك من خلال غض الطرف عن الفساد ونهب اموال الدولة لتمرير المشروع الممانع وعدة عمله المسلحة، تلفت الى ان الضغط الدولي الممارس على السلطة الحاكمة والذي ترتفع وتيرته مع العقوبات الاميركية، معطوفا على المسار الانحداري للوضع العام اللبناني لا بد الا ان يصيبا الهدف وصولا الى تحرير لبنان وفك تحالفه مع طهران وتاليا انهاء سيطرة حزب الله على الدولة واخضاعه الى سلطة الشرعية وقوة القانون، تمهيدا للانخراط في مشروع الحياد الذي رفع لواءه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وعن طريق هيئة الحوار الوطني المفترض ان تقر الاستراتيجية الدفاعية لحصرية السلاح بالشرعية.
هذا المسار، تشير المصادر، سيمضي تزامنا مع تفكيك المنظومة السياسية الفاسدة التي نقلت لبنان من عصر الازدهار اقتصاديا وصحيا وسياحيا الى زمن الانهيار والافلاس والهجرة وانحلال الدولة لمصلحة الدويلة، تارة تحت مقولة ربط النزاع واخرى بحكم الامر الواقع وفائض القوة.
ان المجتمع الدولي المنهمك بجائحة كورونا والتطورات الدراماتيكية في عدد من الدول الكبرى ليس في وارد ترك لبنان لمصير رسمه له قادة فاسدون ومحور ممانعة يستخدمه صندوق بريد لتحقيق غايات ايرانية. هي حقبة ستنتهي، تختم المصادر، ولبنان باق باق باق.