Site icon IMLebanon

النواب: كلفة الدعم باهظة ومخاطر إنفاق الاحتياطي مُدمّرة

كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:

رغم انّ الكتل النيابية لم تُصدر بيانات رسمية تُحدّد موقفها في جلسة اللجان النيابية اليوم، إلا أنّ بعض المواقف التي أعلنها رؤساء أحزاب ونواب في الكتل المختلفة، تشير في خلاصتها الى حقيقة واحدة: لا أحد يجرؤ على وقف الدعم، ولا أحد يجرؤ على اعطاء الضوء الأخضر لإنفاق الاحتياطي الالزامي. وبين هذين الحدّين، سيحاول النواب ابتكار صيغة سحرية لونها رمادي.

بما أنّ موقف مصرف لبنان من قرار وقف الدعم محسوم، لناحية انّه لن ينفرد باتخاذه، وهو قرار سياسي بحت، يتوجب على الحكومة ان تفرضه عليه، وبما انّ حاكم مصرف لبنان أكّد انّه غير مستعدّ للمسّ بأموال الاحتياطي الالزامي للمصارف، فإنّ الكرة اليوم في ملعب المجلس النيابي والكتل النيابية التي ستتخذ هذا القرار غير الشعبي ولكن الضروري، كون حلّ الأزمة المالية والاقتصادية والحصول على الدعم المالي الخارجي بعيد المنال حالياً «والركود الاقتصادي شاق وطويل»، وفقاً لما اعلنه البنك الدولي امس.

بدعوة من رئيس مجلس النواب ‏نبيه بري، تعقد اليوم لجان المال والموازنة، الادارة والعدل، الاقتصاد الوطني ‏والتخطيط، الصحة العامة، العمل والشؤون الاجتماعية، جلسة ‏مشتركة لدرس موضوع الدعم والاحتياطي ‏الالزامي، على ان تحدّد الكتل النيابية موقفها من استمرار الدعم على حساب ما تبقّى من اموال المودعين أو وقف الدعم وتحمّل تبعات الضغط الشعبي الذي سيولّده. أما ترشيد الدعم الذي استأنفه مصرف لبنان، فهو أيضاً يحتاج الى سيولة أجنبية لم تعد متوفرة لدى البنك المركزي، وبالتالي، فإنّ خيارات تقليص لوائح المواد ‏المدعومة، والخفض التدريجي للدعم من خلال رفع سعر الصرف المعتمد من 1500 ‏ليرة للدولار الى 3900، او التغيير الجذري في الدعم وتحويله الى دعم مباشر للمحتاجين، من ‏خلال بطاقات تموينية أو تمويلية، هي جميعها خيارات لا يوجد تمويل لتنفيذها، لأنّ احتياطي مصرف لبنان استُنفد بالكامل ولم يبق منه سوى السيولة الاحتياطية للمصارف.

لكنّ التعويل اليوم هو على خفض نسبة الاحتياطي الالزامي من حجم الودائع في القطاع المصرفي من 15 الى 12 في المئة، واستخدام الوفر لمواصلة الدعم، علماً انّ تلك السيولة يجب ان تستعيدها المصارف لأنّها أودعتها كاحتياطي، وبموجب تعميم من مصرف لبنان يفرض عليها ذلك، وليست توظيفات للمصارف لدى البنك المركزي تمكّنه من استخدامها كما يشاء.

موقف «القوات» و»الاشتراكي»

في هذا السياق، اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مؤتمر صحافي امس، انّ «الدعم يجب أن يطاول الطبقات المحتاجة وليس الجميع كما هو عليه اليوم، مشكّلا خسارة كبيرة على جيوب المواطن بالتحديد».

من جهته، رأى النائب بلال عبدالله، انّ القرار المتعلّق بالدعم كان يجب ان تتخذه السلطة التنفيذية وليس مجلس النواب، «إلّا انّها تائهة بمسار التأليف ومنشغلة به، فارتأى رئيس مجلس النواب ان تناقش اللجان المشتركة التي تضمّ كافة الكتل النيابية هذا الموضوع». وأكّد عبدالله لـ»الجمهورية» انّه لا توجد حلول جذرية، بل انّ كافة الاقتراحات تصبّ في خانة إطالة أمد الدعم عبر الاسراع بترشيده «لربما حصلت معجزة وتمّ تشكيل حكومة وحصلنا على دعم المجتمع الدولي». وشدّد على انّه يجب تغيير طريقة الدعم المعتمدة وتوجيهه نحو الاكثر حاجة، والتوقف عن افادة كبار التجار والمهرّبين منه.

وقال انّ اللجان المشتركة تقارب موضوع ترشيد الدعم بإيجابية ولا خلاف حول هذه النقطة، «وسيتمّ البحث في آلية توجيه الدعم إن عبر بطاقات تموينية او تحديد معايير الاستفادة من البنزين على سبيل المثال، بالاضافة الى دعم المازوت الذي يُعتبر مادة حيوية للمصانع».

ولفت النائب عبدالله إلى أنّ «قرارنا في الحزب كان انطلاقاً من قناعاتنا وايماننا بضرورة تأمين العدالة الإجتماعية والأمن المعيشي والحماية للطبقات المحتاجة، وقرّرنا أن نتصدّى بجرأة لموضوع الدعم العشوائي والتقدّم باقتراح واضح وجريء، بإعادة النظر في كل القواعد المتّبعة للدعم، وذلك بإعادة توجيهه نحو الفئات ذوي الحاجة، وترشيده بما يحدّ من استنزاف الاحتياطي المركزي، ورفعه عن كل ما هو ليس ضرورياً وعن كل الفئات غير المستحقة لمصلحة الفئات المستحقة حصراً».

وذكّر عبدالله بأنّ حزب التقدمي الاشتراكي سبق وتقدّم بثلاثة اقتراحات قوانين متعلّقة بدعم الادوية، مشدّداً على ضرورة ابقاء الدعم على ادوية الجينيريك والأدوية الأقل كلفة من نفس الصنف بالإضافة للأدوية الاساسية، وخصوصاً المتعلقة بالأمراض المزمنة والمستعصية والمستلزمات الطبية.

ورداً على سؤال، أكّد عبدالله ان لا خيار اليوم لتمويل الدعم سوى من خلال المسّ بالاحتياطي الالزامي، «إلّا انّ ترشيد الدعم يؤدي الى استخدام نسبة اقلّ من تلك السيولة ولمدّة أطول، الى حين استقرار الوضع السياسي وبدء معالجة الأزمة واستئناف الاصلاحات». لكنه اشار في المقابل الى انّ أحداً لا يضمن عدم استنزاف السيولة الاحتياطية ايضاً، في حال اراد بعض الاطراف ان يأخذ البلاد نحو المجهول بعيداً من المسار الاصلاحي، «وللاسف توجد بعض المؤشرات الى ذلك». موضحاً انّ استخدام الاحتياطي الالزامي لترشيد الدعم أرحم من ان تصل فاتورة الدواء لمرضى السكري والضغط الى مليوني ليرة شهرياً!

وفي الختام، شدّد عبدالله على انّ المعضلة اليوم في عدم التمكن من وقف الدعم ولا الاستمرار فيه، وبالتالي فانّ الخيار الاوحد هو ترشيده لشراء المزيد من الوقت.

«المستقبل»

اما النائب نزيه نجم، فاعتبر انّ خياري وقف الدعم او المسّ بالاحتياطي الالزامي هما بمثابة تصليت سيف على عنق أحدهم وتخييره بين جهة واخرى لذبحه». وقال لـ»الجمهورية»: «بدل النقاش حول موضوع الدعم والاحتياطي الالزامي، فليسارعوا الى تشكيل حكومة لحلّ تلك الأزمات»، مشيراً الى انّه يعارض المسّ بالاحتياطي الالزامي. وانّه من الناحية التقنية لا يحقّ لأحد ان يمسّ به، «وكان يجب تدارك الامر منذ 6 اشهر والبدء بترشيد الدعم».

اضاف: «نظراً لما آلت اليه الامور، وإذا كان لا بدّ من استخدام الاحتياطي الالزامي، فانّه يجب توجيه الدعم نحو الأسر الاكثر حاجة وفقراً، والحرص على عدم استفادة الميسورين منه، مع مراعاة حاجات الزراعيين والصناعيين، من خلال وضع آلية واضحة، مع التشديد على ضرورة الاستمرار في دعم الدواء».

وذكّر نجم بأنّه تمّ اعتماد البطاقات التموينية في لبنان 3 مرات: عندما تمّ تهجير الفلسطينيين، وعندما تمّ تهجير السوريين، واليوم بعد ان تمّ تهجير اللبنانيين داخل بلدهم.

«التنمية والتحرير»

كذلك، اعتبر النائب ياسين جابر، انّه لا يمكن مواصلة الدعم بشكله الحالي، متسائلاً: «لماذا لم تقبل الحكومة القرض الذي اقترحه البنك الدولي على وزير المالية غازي وزني بقيمة 450 مليون دولار لبناء شبكة امان اجتماعي؟». وقال لـ»الجمهورية»: «انّه من الضروري اليوم توجيه الدعم نحو الأسر الاكثر حاجة الى حين تشكيل حكومة تقرّ آلية لدعم الفئات الاكثر فقراً بشكل مباشر، عبر تخصيص مبالغ شهرية لهم، وهي كلفة اجمالية مقدّرة بحوالى 600 مليون دولار سنوياً، أي أقلّ بكثير من حجم الدعم الحالي سنوياً».

واشار الى انّ البنك المركزي ما زال يملك حوالى 600 الى 700 مليون دولار قبل المسّ بالاحتياطي الالزامي. يجب ترشيد استهلاكها الى حين تشكيل حكومة لتمسك زمام الامور». واشار الى انّه يؤيّد المسّ بهذا الاحتياطي في حالة الضرورة القصوى، وفي حال كانت هناك حاجة لخفض نسبة الاحتياطي 1 في المئة، الى حين التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستئناف الاصلاحات وبناء شبكة امان اجتماعي.

«التيار الوطني الحر»

من جهته، قال النائب آلان عون، انّ الكتل النيابية ستستمع اليوم الى موقف مصرف لبنان والمعطيات التي سيقدّمها، مؤكّداً لـ»الجمهورية» على انّ موقف كتلته النيابية سيشدّد على انّه لا يجوز الاستمرار بسياسة الدعم الحالية، التي لا تميّز بين المحتاج وبين غير المحتاج، وبين اللبناني وغير اللبناني وبين المهرّب الى سوريا وغيره… كما اعتبر انّ الدولة يجب ان تموّل الدعم من خلال وسائلها الخاصة، وليس من اموال المودعين، متسائلاً، لماذا لم تسع الحكومة لتأمين بدائل وطرق اخرى لتمويل الدعم، بدلاً من التركيز على ما تبقّى من اموال المودعين؟

وكشف عون انّ «التيار الوطني الحر» سيطرح صيغاً تمويلية لدعم المحتاجين، «وبالمبدأ» لا يجب المسّ بالاحتياطي الالزامي، «لكننا على يقين انّه يجب الحفاظ على الحدّ الادنى من الحماية الاجتماعية للمواطنين في المرحلة التي نمرّ بها من انهيار مالي واجتماعي كبير، ويجب الموازنة بين الحماية الاجتماعية وبين ما تبقّى من اموال الناس».

وختم: «هناك مصادر تمويل بديلة سيتمّ البحث فيها اليوم، وهناك امكانية لتنفيذ برنامج تمويلي لدعم الفئات المحتاجة، من دون المسّ بأموال المودعين.

«المردة»

بدروه، اعتبر النائب طوني فرنجية انّ «‏عدم اعتماد بطاقة دعم للأسر الأكثر فقراً (أكثر من 50% من اللبنانيين) جريمة موصوفة يستفيد منها التجار والمهربون والأثرياء. وفي ذلك إمعان في السياسات السابقة التي قضت على معظم مدخرات اللبنانيين، كما فيه نية مشبوهة واضحة للقضاء على ما تبقّى من احتياطي نقدي. وكل البطولات مجرد أوهام».

المستقلون

من جهته، دعا النائب ميشال ضاهر الى الابتعاد عن المواقف الشعبوية في جلسة اللجان النيابية اليوم، المخصّصة لمناقشة موضوع رفع أو ترشيد الدعم.

‏وأقترح «من منطلق اجتماعي وعلمي، ابقاء الدعم على القمح والأدوية، ورفع الدعم عن بعض المواد التي قد تقضي على ما تبقّى من احتياطي في مصرف لبنان، لأنّ الأيام المقبلة صعبة ولا حلول سياسية في الأفق».