كتبت صحيفة “نداء الوطن”:
أوجز رئيس الوفد الأميركي الوسيط في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية السفير جون ديروشر في جولته أمس على كل من رئيس الجمهورية ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس الوفد العسكري الى المفاوضات العميد الركن البحري بسام ياسين، الرؤية الاميركية لكيفية استمرار المفاوضات بهدف الوصول الى نتائج عملية، عارضاً المراحل التي قطعتها عملية التفاوض والدور الاميركي فيها، متمنياً استمرارها لما فيه مصلحة الجميع.
وسمع ديروشر من الجانب اللبناني ان “لبنان المتمسك بسيادته على ارضه ومياهه، يريد ان تنجح مفاوضات الترسيم البحرية لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب وسيمكّن من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط”. وقال عون ان “الصعوبات التي برزت في الجولة الاخيرة للتفاوض يمكن تذليلها من خلال بحث معمّق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار وكل ما يتفرع عنها من نصوص قانونية، وان الوفد اللبناني المفاوض لديه تعليمات واضحة يفاوض على اساسها، لافتاً الى “ضرورة استمرار هذه المفاوضات لتحقيق الغاية من اجرائها، وإذا تعثر ذلك لأي سبب كان، يمكن درس بدائل أخرى”.
هذا في الشكل، اما في المضمون فإن مصدراً على صلة بعملية التفاوض اوضح لـ”نداء الوطن” انه “صحيح جاء طلب تأجيل الجولة الخامسة من الجانب الاسرائيلي، لكن الاصح ايضاً هو ان الاسرائيلي يقع تحت ضغط اكبر من الضغط الذي يقع على لبنان، والسبب هو ان الاسرائيلي قام بعملية الاستكشاف والحفر التجريبي ومن ثم الحفر الانتاجي في حقل “كاريش” وفي نهاية العام الحالي سيبدأ عملية الاستخراج، والدليل ان شركة “إنرجيان” اليونانية التي تعمل في هذا الحقل هي التي تصنّع السفينة التي ستبدأ باستخراج النفط والغاز من حقل “كاريش” الذي سيتم وصل حقل “تنين” اليه، وهذا يعني ان سفينة الاستخراج التي كلّفت نصف مليار دولار، كون الغاز المستخرج سيتم ايصاله الى الداخل الاسرائيلي لاستخدامه في توليد الكهرباء، بينما النفط المستخرج ستنقله من السفينة باخرة عملاقة ستتمركز في البحر في موقع استراتيجي ومهم، وكل مشاريع الكهرباء في اسرائيل متوقفة على الضخ من حقلي كاريش وتنين”.
وأضاف: “ان هذه السفينة التي تسمى FPSO بدأوا تصنيعها في سنغافورة في شهر حزيران الماضي وتحتاج الى 14 شهراً لانجازها (10 اشهر تصنيع و4 اشهر تركيب وتجهيز)، وبالموازاة تعمل اسرائيل على مد الانابيب من حقل “كاريش” نحو الداخل الاسرائيلي حيث منشآت توليد الكهرباء، وهذه المشاريع لا تنتظر التأجيل كونها بوشر بتنفيذها، بينما لبنان لم يبدأ بعد تجهيز شيء، ووفق مقولة “ربّ ضارّة نافعة” يعتبر هذا الامر نقطة لصالح لبنان”.
وتابع المصدر: “من ناحية اخرى فإن شركة “شيفرون” الاميركية التي هي ثاني اكبر شركة نفط اميركية اشترت شركة “نوبل” التي تعمل في حقلي “تمار وليفياثان” الاسرائيليين، وحقل “ليفياثان” هو فوق قدرة شركة “نوبل” كونه حقلاً كبيراً، لذلك تعمل على انجاز 10 في المئة منه، لذلك اشترتها شركة “شيفرون” كونها تملك القدرة على الاستثمار في هذا الحقل الكبير، وهذه الشركة لا تأتي للبدء بعملية الاستثمار اذا لم يتوفّر الاستقرار في المنطقة”، مشيرا الى “وجود عاملين يضغطان على اسرائيل، هما شركة “انجريان” وحقلا “كاريش وتنين” اللذان يؤمنان الغاز للداخل الاسرائيلي لتشغيل معامل الكهرباء، وشركة “شيفرون” الاميركية التي اشترت شركة “نوبل” ولديها خطة واضحة للاستثمار، واذا لم يتوفّر الاستقرار في المنطقة لا تأتي”.
ولفت الى ان “الاسرائيليين بنوا جزءاً من استراتيجيتهم الغازية على بيع الغاز الى مصر، لكن مع اكتشاف مصر اكبر حقل غاز في البحر الابيض المتوسط واصبحت مكتفية غازياً لا بل بدأت التصدير، سقط مخطط توريد الغاز الاسرائيلي الى مصر، وباشرت اسرائيل التفتيش عن شركاء جدد لتتمكن من تصدير الغاز، وهؤلاء الشركاء لا يعملون او يعقدون اتفاقيات مع اسرائيل الا اذا كانت المشاريع واضحة وهناك استقرار، مما يعني ان اسرائيل صارت تقبع تحت ثلاثة عوامل ضغط ملحة”.
وقال: “لبنان ايضاً تحت ضغط، ولكن هذا الضغط لا يرتبط باستراتيجية استخراج غاز وبيعه واستثماره، كون لبنان لم يبدأ الانتاج لا في البلوك رقم (4) ولا في البلوك رقم (9)، والضغط على لبنان هو اقتصادي نتيجة الازمة الاقتصادية والمالية، واللبنانيون يريدون حلاً، وهذا هو الضغط الوحيد، ويستطيع لبنان الانتظار اكثر من الاسرائيلي كون الاخير يمتلك استراتيجية وبرنامجاً محدداً، وسفينة (FPSO) ستكون جاهزة وتبدأ استخراج النفط والغاز آخر عام 2021، كما ان الاسرائيلي لا يستطيع فرض امر واقع بحري كما يعمد احياناً في البر، كونه ليس هو من يعمل في البحر انما شركات عالمية التي لا تعمل الا وفق ضمانات قانونية ومالية وامنية، وتضع دائماً في حسبانها امكانية مقاضاتها من اي دولة متضررة مما يكبدها خسائر كبيرة، لذلك هناك تردد في قدوم الشركات للاستثمار في البحر الفلسطيني القريب من لبنان او المتنازع عليه”.
وفي رده على قول البعض ان المفاوض اللبناني كبّر المساحة المتنازع عليها وهذا يؤدي الى وقف المفاوضات وان لبنان لن يستطيع الاستثمار في البلوكين (8 و9)، أكد المصدر ان “ما اعتمده الوفد اللبناني المفاوض هو نقل النزاع من البلوكين ( 8 و9 ) الى حقل “كاريش”، وهذا امر بالغ الاهمية وقد قطع الوفد اشواطاً بهذا الاطار، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا فعلت القيادات السياسية لمواكبة عمل وفد التفاوض المضني؟ والجواب انهم لم يفعلوا شيئاً، ولكن ما يجب ان يسارعوا الى انجازه بلا ابطاء هو اقرار مرسوم بحيث تكون المنطقة المتنازع عليها 1430 كيلومتراً مربعاً قانونية، والشركات الاجنبية المترددة في ظل عدم اقرار هذا المرسوم لن تأتي ابداً الى تلك البقعة، في ظل عدم وجود اطار قانوني يكفله المرسوم المنتظر وفي ظل النزاع القائم مع اسرائيل”.
ودعا المصدر السياسيين الى “اخراج ملف التفاوض من النكد السياسي وعمليات تسجيل النقاط، ومن اسلوب نصب الافخاخ، لان أي فشل هو خسارة للبنان، والمفاوضات مسؤولية وطنية لا تحتمل الزواريب السياسية الداخلية”.