وكأن ما يعيشه اللبناني من مآس يومية لا يكفيه ليذكره بحجم القصور الهائل في دولة اللامسؤوليات وتناتش الحصص الوزارية والحكومية وتصفية الحسابات. ذلك أن شريط الأحداث بعد 4 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، لا يشي بأن المحاسبة قريبة، ولا جروح الضحايا قد تندمل، ما لم توضع النقاط على الحروف. وفيما وقع رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم القانون الرقم 196 الرامي الى اعطاء تعويضات ومعاشات لذوي الضحايا في تفجير مرفأ بيروت وتمكين الذين اصيبوا منهم بإعاقة من الاستفادة من التقديمات الصحية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومن القانون المتعلق بحقوق الاشخاص ذوي الاحتياجات الاضافية، يبقى السؤال الاهم من هو مالك شحنة النيترات ومن المسؤول عنها ومن موّل نقلها الى مرفأ بيروت. هي مسؤولية السلطة الرسمية الواجب ان تطلع اللبنانيين على الحد الادنى مما اظهرته التحقيقات حتى الساعة عن طبيعة الانفجار وما اذا كان مفتعلا ام عملا ارهابيا ام اي فرضية اخرى لان من شأن ذلك ان يوضح الالتباس لدى شركات التأمين المفترض ان تدفع التعويضات للمتضررين من الانفجار.
على أن الأخطر أن بعد الانفجار النكبة وقبله، وقعت جرائم تثير كثيرا من علامات الاستفهام حول احتمالات العمل المتعمد على طمس الحقائق في أكبر نكبة في تاريخ لبنان الحديث. هكذا تقرأ مصادر مراقبة عبر “المركزية” الكلام الذي رافق ولا يزال الجريمة الشنيعة التي أودت في الساعات الماضية بحياة العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي، بعدما تلقى ضربات على رأسه بواسطة آلة حادة أثناء نومه في قرية قرطبا في جرود جبيل، مسقط رأس زوجته.
وفي وقت استبعد محللون أن تكون الجريمة وقعت بهدف السرقة، على اعتبار أن أي أغراض لم تسرق من المنزل، تشير المصادر إلى أن الجريمة قد تكون على صلة بما يجري على خط تتبع الحقيقة البعيدة في ما يخص كارثة المرفأ. ذلك أن الضحية ضابط متقاعد في الجمارك، الجهاز الذي وضع نصب أعين الجميع منذ وقوع الانفجار، على اعتباره المسؤول الأول عن مراقبة البضائع والسفن التي تخرج من لبنان وتلك التي تدخل إليه. بدليل أن اتهامات كثيرة بالتقصير وجهت إلى مدير عام الجمارك بدري ضاهر لجهة عدم تبليغه عن وجود مواد شديدة الانفجار على متن الباخرة “روسوس”، التي لم يكشف النقاب عن صاحب البضاعة التي كانت تحملها، حتى اللحظة.
وفي الموازاة، تنبه المصادر إلى أن قاضي التحقيق في هذا الملف فادي صوان الذي استمع إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أحال إلى مجلس النواب طلبا لتحريك مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء بهدف مساءلة الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الأشغال، في خطوة رأى فيها خبراء دستوريون وقانونيون محاولة قد تنتهي إلى تمييع الملف في غياهب السياسة.
وتلفت المصادر أيضا إلى أن “اغتيال” العقيد أبو رجيلي في ظروف قد تظل غامضة أتى في وقت يعرف الجميع أنه كان على صلة بالعقيد جوزف سكاف الذي قتل بدوره في ظروف غامضة قبل ثلاث سنوات، مع العلم أنه كان وجه كتابا إلى مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب” التابعة لوزارة المال، دعا فيها إلى إبعاد الباخرة المحملة بـ 2750 طنا من نيترات الأمونيوم عن العنبر 11 في المرفأ كونها تشكل خطرا على السلامة العامة، ما بجعل فرضية ادلائه بمعلومات مهمة قد تفيد التحقيق غير مستبعدة. وتذكر المصادر في هذا السياق بأن العقيد في أمن الدولة جوزف النداف، الذي كان أول من حذر من وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ لا يزال قابعا في السجن منذ 3 شهور، مع العلم أنه قام بواجبه على أكمل وجه. فهل تكون جريمة قرطبا لغما جديدا على طريق الحقيقة لتتكرس مجددا سياسة الافلات من العقاب؟ الجواب آت، وإن كان بعيدا.