أسف الرئيس فؤاد السنيورة، في حديث لـ”الحدث” ان “يعقد مؤتمر دعم الشعب اللبناني في ظل استمرار العراقيل التي تحول دون تأليف الحكومة الجديدة في لبنان”.
وقال: “يمكن فهم ما أعلن في الإعلام عن أن المؤتمر سينظر فقط في تقديم مساعدات إنسانية للبنان وليس لمعالجة المشكلات السياسية والمالية والاقتصادية والإدارية التي تراكمت على لبنان ومن دون أي معالجات حقيقية وصحيحة لتلك المشكلات، وذلك بسبب استمرار الاستعصاء من قبل المنظومة السياسية في لبنان. هذا الاستعصاء يستمر أيضا بسبب المماحكات والشروط التي تضعها تلك الأحزاب السياسية والطائفة والمذهبية، وهي التي لا تزال تحول دون تأليف الحكومة العتيدة”.
وأضاف: “هذه الحكومة يريدها اللبنانيون أن تكون حكومة إنقاذ من المستقلين غير الحزبيين. وهذا هو جوهر المبادرة التي تقدم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي شدد على أنه ينبغي أن تكون حكومة انقاذ ذات مهمة محددة. وهذا يعني أنه يقتضي على جميع أولئك السياسيين الخروج من حالة الانكار، وللحال الخطيرة التي وصل إليها لبنان، والتي ما زالوا يمارسون استعصاءهم على أساسها، وذلك بفرض شروطهم بشأن من ينبغي أن يمثلهم في هذه الحكومة وما هي الحقائب التي يريدونها. هذا يجري، ويا للأسف، بينما سفينة لبنان تغرق في ظل استمرار هذه المماحكات. بينما المطلوب من قبل اللبنانيين، بصراحة ووضوح، هي حكومة من مستقلين غير حزبيين يكونوا، من خلال كفاءاتهم وجدارتهم وخبراتهم، قادرين على أن يتولوا هذه المسؤوليات الحكومية في عملية إنقاذية للبنان وللاقتصاد اللبناني وللبنانيين”.
ورأى السنيورة أن “مبادرة الرئيس ماكرون هي محاولة لإعطاء رسالة واضحة للبنانيين بأن المجتمعين العربي والدولي ما زالا يحاولان بذل كل جهد ممكن من اجل مساعدة لبنان. وبالتالي، فإنه من المفروض الآن أن تتم ملاقاة هذا الاهتمام العربي والدولي من قبل المنظومة السياسية من أجل مساعدة لبنان ولإخراجه من المآزق المنهالة عليه. ماذا سينجم عن المؤتمر لجهة حجم مبالغ المساعدات التي سيقدمها أولئك المشاركون في المؤتمر أو لجهة إنشاء صندوق معين للمساعدات الإنسانية من اجل مساعدة لبنان في مسائل الغذاء والدواء، ولا سيما في ظل تصاعد معدلات الفقر في لبنان بشكل مخيف، والتي أصبحت نسبته تتعدى 55% من اللبنانيين. وكذلك أيضا في ما يتعلق بموضوع إعادة اعمار المناطق في بيروت التي دمرها التفجير المريب الذي حصل في لبنان في الرابع من آب الماضي”.
وقال: “من الضروري أن تلاقي المنظومة السياسية هذا الاهتمام. وفي هذا الإطار، يجب ان لا ننسى ان العالم كله أصبح الآن مشغولا بمشكلاته وكل دولة عليها التزامات كبيرة، ولا سيما بعد تفشي جائحة كورونا لتضيف مشكلات على جميع دول العالم الكبيرة والصغيرة على حد سواء. بالتالي، لا يمكن لهذه المنظومة اللبنانية ان تستمر في ألاعيبها ومماحكاتها السياسية وشروطها وشروطها المضادة وفي إنكارها العميق للمشكلات التي يعاني منها لبنان، ظنا من هذه المنظومة أن العالم ليس لديه انشغالاته ومشكلاته الكثيرة والكبيرة، وأنه سوف يستمر في تصمميه على مساعدة لبنان، بينما اللبنانيون مشغولون عن مشكلاتهم بخلافاتهم الصغيرة. وفي هذا التصرف من السياسيين اللبنانيين قدر كبير من اللامسؤولية والتفريط والهدر والتضييع لمصالح ومستقبل لبنان واللبنانيين”.
اضاف: “نحن نشكر الرئيس ماكرون ونشكر المجتمعين العربي والدولي على هذا الاهتمام بلبنان، ولكن المطلوب الآن من رئيس الجمهورية ومن الرئيس المكلف ان يبادرا فورا الى الاتفاق على تأليف حكومة من المستقلين من غير الحزبيين من أصحاب الكفاءة والجدارة الذين يستطيعون أن يبدأوا باستعادة قدر متزايد من الثقة التي فقدها لبنان. الحقيقة أن الثقة لدى اللبنانيين قد انهارت وأيضا لدى المجتمعين العربي والدولي بلبنان وبدولته وبمنظومته السياسية وبرئيس الجمهورية وبالحكومة”.
وردا على سؤال عن اي عقوبات على مصرف لبنان لتعامله مع حزب الله ودعمه، قال الرئيس السنيورة: “لا أظن أن هناك عقوبات على البنك المركزي. لقد تسربت معلومات عن أن هناك ربما عقوبات على أحد الأشخاص الذي كان يشغل منصب عضو لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي”.
وعن قضية الدعم، قال: “ما يشاع بشأن الدعم، أن هناك عملا متقصدا من قبل البعض من السياسيين اللبنانيين من أجل تركيز الاهتمام لدى اللبنانيين حول مسألة الدعم. في هذا الشأن، هناك خطأ جسيم يرتكب من قبل الحكومة اللبنانية في ما خص الدعم. الخطأ في أن الدعم إذا كانت هناك من حاجة لتقديمه، فإنه يجب أن يكون في الأصل موجها لدعم المواطن الفرد وليس لدعم عدد من السلع. لأنه وبطريقة دعم السلع فإنه يستفيد منها القادر وغير القادر. كما انه يصار الى تهريب جزء من تلك السلع المدعومة الى خارج لبنان. وبالتالي يتحمل لبنان وخزينته العامة كلفة دعم استهلاك تلك السلع من قبل القادرين، وكذلك من قبل غير اللبنانيين في داخل لبنان وخارج لبنان”.
وتابع: “هذا من جانب، ولكن ومن جانب آخر، فإن التركيز على مسألة الدعم بهذه الطريقة هو تركيز على معالجة مظاهر المشكلات في لبنان، المتمثل بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وهذا له انعكاس على أسعار جميع تلك السلع المستوردة من الخارج وحتى أيضا المصنعة في لبنان. بينما يتوجب أن ينصب الجهد على معالجة أسباب المشكلات الناتج عن انهيار الدولة وسلبها لقرارها الحر والمستقل والأخطاء في السياسات المتعبة الداخلية والخارجية، وكذلك في سوء الإدارة، والذي أدى بالمحصلة إلى انهيار الثقة. وهذا يعني أنه ينبغي أن يصار فورا إلى تأليف الحكومة والمباشرة بتنفيذ الإصلاحات، والتي هي الباب الحقيقي من اجل استعادة الثقة. من هنا يمكن أن يتم التقدم نحو معالجة مشكلة الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية، وإلى معالجة مشكلة هروب الودائع من المصارف، وإلى البدء باستعادة الدولة لدورها وحضورها وقرارها الحر، كما يؤدي ذلك إلى معالجة مسألة تفاقم قلق اللبنانيين على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ووطنهم. هكذا يمكن معالجة أسباب المشكلات في لبنان بينما استمرار الانشغال في معالجة مظاهر المشكلات مثل مسألة الدعم لا يؤدي الى أي حل على الاطلاق انما يؤدي الى تعميق المشكلات وزيادة حدتها”.
واكد السنيورة ان “الدستور اللبناني يحدد من يؤلف الحكومة وهو رئيس الحكومة الذي عليه أن يتشاور في هذا الشأن مع رئيس الجمهورية، وهما يوقعان سوية على مرسوم تأليف الحكومة. وبالتالي، فإن هناك مسؤولية مشتركة لديهما، ولكن هذه المسؤولية فعليا تقع في الأساس على عاتق الرئيس المكلف لأنه هو الذي بالمحصلة إذا قدم تشكيلة وزارية، وبحال سقطت في البرلمان، فبالتالي، فإن الرئيس المكلف هو الذي يدفع الثمن، إذ أنه لا يستطيع عندها أن يبقى رئيسا مكلفا. لا يتحمل رئيس الجمهورية أي مسؤولية”.
وقال: “لذلك، أنا اعتقد ان المسؤولية تتطلب من الرئيس المكلف ان يبادر فورا، واستنادا الى المعايير التي وضعها، وهو يحاول ان يتقيد بها، بأن يقترح تشكيلة حكومية على رئيس الجمهورية على أن تضم مجموعة من الأشخاص من أصحاب الكفاءة والجدارة المستقلين ومن غير الحزبيين، والذين تكون مهمتهم مهمة إنقاذيه من اجل المباشرة في اعتماد وتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها من قبل اللبنانيين. هذه الإصلاحات كان مطلوبا تنفيذها في لبنان منذ سنوات طويلة، وهي بالتالي ليست وليدة الاقتراح الذي تقدم به الرئيس ماكرون بل هي بالفعل مشكلات تجمعت وتفاقمت على مدى فترة طويلة بنتيجة تقاعس واستعصاء مستمر من قبل العديد من السياسيين، بما كان يحول دون القيام بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لحل تلك المشكلات والحؤول دون تفاقمها”.
وتابع: “المطلوب الآن من هذه الحكومة ان تتألف ويقدم الرئيس المكلف هذه التشكيلة لفخامة الرئيس عندها يتبين من هم المعرقلون. اما إذا كان كل واحد من السياسيين سيتصرف على قاعدة: “ما هي حصتي في هذه الحكومة؟”. فأنا اعتقد ان هذه وصفة لتحقيق الفشل والانهيار، وهو الأمر الذي أصبح يشكل خطرا وجوديا على لبنان”.
اضاف: “هناك طرفان اساسيان سيحكمان على الحكومة العتيدة، بداية اللبنانيون وثانيا المجتمعان العربي والدولي، وذلك إذا ما كانت هذه الحكومة تتمتع بالصفات التي ذكرناها، والتي بظني يحاول رئيس الحكومة المكلف ان يؤكد تقيده بها، أي أنها ستكون حكومة من المستقلين، وبالتالي، من غير الحزبيين، ومن غير الموالين لأي من تلك الأحزاب، ومن أصحاب الكفاءة والجدارة وأهلا للثقة. فعندها يمكن أن تحظى هذه الحكومة ببدايات استرجاع الثقة المفقودة”.
واردف: “على ما يبدو، فان الرئيس المكلف يعطي إشارات عن التزامه بهذه الشروط: حكومة مستقلين من غير الحزبيين من أصحاب الكفاءة والجدارة وممن لهم تجربة من الإنجاز في الأعمال التي كانوا يقومون بها، بحيث يمكن لأولئك الوزراء أن يوحوا بالثقة للبنانيين وللمجتمعين العربي والدولي. اعتقد ان هذا هو الامتحان الذي سيتعرض له الرئيس المكلف عندما يتقدم بهذه التشكيلة. عندها تتضح الأمور أمام الجميع من هو المعطل. وبالتالي عندها سيكون من حق المجلس النيابي، وبحسب الدستور اللبناني اما ان يحجب الثقة او ان يعطيها الثقة”.
واعتبر “ان الوضع الآن يتطلب المبادرة إلى أن تتألف الحكومة في أسرع وقت ممكن، واللبنانيون ينتظرون أن تتألف الحكومة للبدء بتنفيذ الإصلاحات الذي هو الباب الذي تبدأ منه المعالجات الحقيقية للمشكلات، وليس فقط لمعالجة مظاهر المشكلات، إذ لم تعد تنفع المعالجات باستعمال المراهم الموضعية”.
وقال السنيورة ردا على سؤال: “لا اعتقد ان الاعتذار وارد. هناك من كان يقول ان تأخير تأليف الحكومة كان بانتظار انعقاد المؤتمر في باريس مساء اليوم ربما صحيح. ولكن أنا اعتقد بكل وضوح وصراحة ان الباب لمعالجة المشكلات هو بداية في تأليف حكومة انقاذ تستطيع ان تحظى بالتأييد وبثقة اللبنانيين وأيضا بثقة المجتمعين العربي والدولي. وانه وبدون الالتزام بهذه الشروط للتأليف، فإن أي تشكيلة توضع على الطاولة سوف تكون تشكيلة ميتة ولا تستطيع ان تحصل على الدعم المنشود. بكلام آخر، إذا لم يحصل لبنان على الدعم المنشود من أشقائه وأصدقائه من خلال استعادة الثقة التي انهارت لدى اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي بالدولة اللبنانية، فإنه لا يمكن ان يكون هناك أمل بإنقاذ لبنان ولن يكون هناك من إنقاذ”.
وعن التدقيق الجنائي، قال: “هناك مبدأ أساسي يجب ان يكون ساريا على جميع الذين يتولون مسؤوليات حكومية أو عامة في لبنان، وذلك بأن ما من خيمة على رأس أحد لا افرادا ولا مؤسسات بما في ذلك المصرف المركزي. وهذا مبدأ أساس في عملية تطبيق قواعد الحوكمة ولوجود الإدارة الرشيدة للشأن العام. ولذلك فإنه من حق المواطن اللبناني ان يعرف ماذا جرى وان يعرف من تسبب بالمشكلات التي يعاني منها اللبنانيون. ولكن يجري تضخيم هذه المسألة عبر الكثير من الضجيج الإعلامي بشأن إخضاع هذه الإدارات والمؤسسات للتدقيق المحاسبي والتدقيق الجنائي. واسمح لي ان أقول لك في هذا الصدد، أن هذا الاستعصاء على الإصلاح هو الذي واجهته حكومتي الأولى، وهي التي أرسلت الى مجلس النواب في أيار من العام 2006 مشروع قانون تخضع بموجبه جميع حسابات الدولة اللبنانية بجميع اداراتها ووزاراتها ومؤسساتها ومصالحها للتدقيق الخارجي التي تجريه مؤسسات التدقيق الدولية. المؤسف أن جميع من تسمعهم اليوم يتحدثون عن وجوب القيام بما يسمى التدقيق الجنائي والمحاسبي هم أنفسهم الذين كانوا يرفضون ويعطلون إقرار مشروع القانون الذي أرسلته حكومتي، وهو المشروع الذي ما زال قابعا في ادراج مجلس النواب. بالتالي يجب أن يتم اعتماد هذا المبدأ من الشفافية والإفصاح ولتطبيق المساءلة والمحاسبة الصحيحة. وهذا الأمر بنظري ينبغي أن يكون أحد الإصلاحات الأساسية الواجب اعتمادها من قبل الحكومة العتيدة”.
واعتبر الرئيس السنيورة “ان إيران تحكم قبضتها على لبنان وتسلبه قراره الحر، وذلك عبر “حزب الله” الذي يطبق على قرار الدولة اللبنانية، ويمنعها من ممارسة دورها واستعادة صدقيتها وهيبتها. وبالتالي، فإنهما، إيران وحزب الله، يستعملان لبنان واللبنانيين كرهينة للتفاوض عليهما مع الإدارة الأميركية الجديدة، وهذا يعقد الأمور، ويحول دون قيام اللبنانيين بإجراء الإصلاحات التي يحتاجها لبنان ومنذ زمن طويل، ويمنع على اللبنانيين إنقاذ بلدهم وإنقاذ أنفسهم. لذلك، فإنه من غير المقبول الاستسلام لما تريده إيران ويريده حزب الله”.
وقال: “كذلك، فإنه من غير المقبول أن يصار إلى تعليق الأمور بانتظار أن يتسلم الرئيس بايدن مسؤولياته في 20 كانون الثاني القادم. هذا يعني الاستمرار في حال الانهيار للبنان وبدون أي ضوابط أو شبكة نجاة. ان الرئيس بايدن كما هو معروف لديه عشرات الأولويات التي تحوز على اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة، وهناك وقت طويل قبل أن يصبح موضوع لبنان على لائحة أولويات الإدارة الأميركية الجديدة. وبالتالي فمن غير المقبول إبقاء لبنان معلقا حتى يأتي دور لبنان في سلم أولويات الإدارة الأميركية”.
وختم: “لبنان واللبنانيون أصبحوا، ويا للأسف، رهينة بيد إيران و”حزب الله” ويعاونهما وعبر القيود والشروط التي يمارسها رئيس الجمهورية والأحزاب السياسية الحليفة معه في لبنان من أجل فرض التنازلات على الرئيس المكلف بما أصبح يحول دون تأليف الحكومة”.