كتبت هيام القصيفي في جريدة الأخبار:
هل يحتاج لبنان إلى أن يعلنه المجتمع الدولي رسميًا دولة فاشلة، بحسب رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى مجلس النواب، إن لم يتمّ التحقيق الجنائي؟ وهل يرى رئيس الجمهورية فعلاً أن لبنان ليس دولة فاشلة بالمعنى الحقيقي للكلمة، في كل ما يعيشه حالياً من انهيار اقتصادي ومالي وأزمات الدواء والدعم، وصولاً إلى إعلان البنك الدولي أن أكثر من نصف سكان لبنان سيصبحون فقراء، العام المقبل؟
في التعريف الأكاديمي لمفهوم الدولة الفاشلة، ثمة معايير ومؤشرات سياسية واقتصادية واجتماعية، تتناول تفاصيل الانهيار الاقتصادي والفقر، والتضخم والبطالة، والديون وتعثّر الإنتاج، وشرعية السلطة والخدمات العامة والحاجات اليومية للصحة والدواء والطعام وحقوق الإنسان، والتدخلات الخارجية وغيرها من تعريفات. وفي كل من هذه المعايير تفاصيل تسمح بتحديد فشل أي دولة ككيان وكارتدادات على بنيتها. وإذا اعتمدت مقاربة علمية لمواءمة لبنان مع المعايير التي يتم من خلالها وصف أي دولة بالفاشلة، فإنه حتماً سيحتلّ مرتبة متقدمة، سواء حصل التدقيق الجنائي الذي حوّلته القوى السياسية إلى ملهاة للناس، وأفرغته من مضمونه الحقيقي، أو لم يحصل. وبصرف النظر عن كل المطالبات في مراحل سابقة، ومن جانب معارضي حزب الله، بإعلان لبنان دولة فاشلة بسبب سلاح حزب الله، فإن الواقع الذي وصل إليه لبنان خلال سنة، لا يحتاج الى رسالة رئاسية بالتحذير من إعلانه دولة فاشلة، بل يحتاج الى إعلان السلطة نفسها أنها فشلت في إنقاذه، نتيجة الاستمرار في الأخطاء نفسها من سوء الممارسة والمحسوبيات والفساد والخطط الاقتصادية الفاشلة والجرائم المالية الفادحة.
قد تكون النقطة الوحيدة التي لا نلتقي فيها مع توصيفات الدول الفاشلة، أن السلطة شرعية بمعنى أن المجلس النيابي منتخب، ورئيس الجمهورية منتخب من مجلس نواب شرعي. لكن الأعراف التي تحكّمت بالسلطة منذ أربع سنوات، حوّلتها إلى نموذج شبيه بنماذج السلطات غير الشرعية في الدول الفاشلة، من خلال أداء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري وتصدّر التيار الوطني الحر الأدوار الرئاسية، وموقع الرئيس نبيه بري وحزب الله في المعادلة السياسية، وكل حزب عايش السلطة وكان من أركانها. بين رسالة الاستقلال ورسالته الى مجلس النواب، تصرّف رئيس الجمهورية كأنه لا يزال في بداية عهده، أو بتحديد أكثر، كأنه لا يزال معارضاً للعهد. من اللافت أن يستمر هذا الانفصال التام بين بعبدا والواقع الحقيقي، في وقت تزداد فيه الأزمات حدّةً، وتواصل وسائل إعلام غربية وعربية (لحسابات سياسية أو إنسانية) في إعطاء بيروت ومآسي اللبنانيين، ولا سيما بعد انفجار المرفأ، مساحة واسعة من التغطية.
ولافتٌ أيضاً أن يخطب عون بعد توقعات البنك الدولي للوضع المالي واحتمالات ارتفاع عدد الفقراء، في مؤتمر دولي لاستعطاء الإغاثة بعد الانهيار الاقتصادي وكارثة المرفأ. فكيف يمكن لرئيس الجمهورية الاستمرار في طلب مساعدات من دول انكشف أمامها حجم الفساد في الطبقة السياسية والمالية؟ وكيف يبرر عون للبنانيين قبل المجتمع الدولي التعثر في تأليف الحكومة، وكيف أن بلداً منهاراً لا يزال يعيش في ظل حكومة مستقيلة ورئيس حكومة مكلف يمارس لعبة النكد السياسي، ورئاسة للجمهورية لا تتحرك إلا حين يُستهدَف رئيس التيار الوطني الحر بعقوبات أو بحملات سياسية تطال دوره في التأليف الحكومي؟ كيف يبرر طلب مساعدة النظام المالي الذي لا يزال المسؤولون عنه يزورون القصر الجمهوري وكأن لا شبهات تحوم فوقهم؟ وكيف يشرح عون عودة «الإبراء المستحيل» الذي دفنته تسوية الحريري وباسيل، بحلّة جديدة من خلال إخبارات شعبوية وإحالات عشوائية الى القضاء تستهدف فقط قوى سياسية معارضة للتيار الوطني الحر وتصفية حسابات بين عون وخصومه السياسيين والعسكريين، لتبييض صفحة السلطة؟ ولماذا نشهد ألاعيب تصبّ في مصلحة تضييع البوصلة، وتعمية الرأي العام وإلهائه عن جرائم سلطة دمّرت النسيج اللبناني الاجتماعي والاقتصادي أكثر مما دمّرته حرب 1975؟
هذا هو نموذج السلطة التي تقدم نفسها الى المجتمع الدولي لإغاثة لبنانيين تضرّروا من انفجار المرفأ، فيما سرقت مساعدات وحُوّلت الى غير المحتاجين لها، وتدور التحقيقات حولها في المجهول. وعلى غرار أداء رئيس الجمهورية، يتصرف رئيس المجلس ومعه غالبية النواب (وخلفهم أركان أحزابهم). يقبضون رواتبهم كاملة ويحوّل من يرغب منهم أموالاً الى الخارج، خلال سنة كاملة من الانهيار الاقتصادي. يناقشون قانون الانتخاب ويجتمعون في جلسات تشريعية، كالتي حدثت أخيراً، أشبه بالمهزلة، وكأن هيكل النظام سيبقى واقفاً من دون الأخذ في الحسبان التحذيرات من مخاطر أمنية واقتصادية واجتماعية، متعاملين مع ما يجري خارج المجلس كأنه مجرد أفلام عبر شاشات التلفزيون، أو صور وعناوين صحافية. كل ذلك فيما يصوّر التدقيق الجنائي كأنه وحده سيعيد الى اللبنانيين أموالهم وثرواتهم ويخفض فاتورة استشفائهم وغذائهم ويثبت سعر الليرة على ما كان عليه ويؤمن الكهرباء. هذه السلطة الفاشلة المستمرة في الاستعطاء، لو كانت تتمتّع ببعض من الحياء لكان يفترض على الأقل أن تتوقف عن أن تشحذ باسم اللبنانيين.