كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:
انضم فيلم 1982 للمخرج والمؤلف وليد مونس، الى سلسلة الأفلام اللبنانية على منصة «نتفليكس» للبث التدفقي اعتبارا من الاثنين 30 تشرين الاول الماضي.
شريط المائة دقيقة لمونس الذي يوثق فيه تجربة شخصية عاشها أثناء الاجتياح الاسرائيلي الثاني للبنان في 1982، عاكسته الظروف على الشاشات الكبرى، منذ قرار عرضه في 5 آذار الماضي، بعدما تم تقديمه في مهرجاني تورونتو في كندا والجونة في مصر.
فالبلد كان مقفلا وقتذاك بسبب تداعيات فيروس كورونا، واستمرت صالات السينما مغلقة حتى فترة متأخرة من هذه السنة.
وعاد الفيلم الى العرض في صالات مجمع«سيتي سنتر» التجاري في الحازمية منذ فترة غير بعيدة. إلا ان البلد أقفل مجددا، فكانت الإطلالة الرسمية او ما يعرف بـ «العرض الأول» فعليا من خلال «نتفليكس».
الشريط رشحته «وزارة الثقافة» لتمثيل لبنان في «الأوسكار» عن فئة «أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية»، وهو يعكس حال اللبنانيين في الاجتياح الاسرائيلي الثاني للبلاد بعد الأول في 1978.
اجتياح بلغ العاصمة بيروت التي كانت العاصمة العربية الأولى التي يدخلها الجيش الاسرائيلي، وهو بلغ أيضا مدخل القصر الجمهوري في بعبدا في الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الراحل الياس سركيس، فضلا عن توغل القوات الاسرائيلية في البقاع الغربي وصولا الى الحدود اللبنانية – السورية، حيث وقعت معركة السلطان يعقوب الشهيرة. شريط غير حربي كما يوحي اسمه.
100 دقيقة في التجربة الأولى السينمائية الطويلة لمونس، عرض فيها واقع اللبنانيين من زاوية الموزاييك الذي احتضنته مدرسة برمانا العالية العريقة على تلة من الصنوبر في محافظة جبل لبنان.
تلامذة جمعتهم المدرسة التي تعتمد الانجليزية لغة رسمية لها من «البيروتيين» بشطريها الشرقي والغربي. ومن الأخيرة كانت الطريق سالكة عبر ما عرف بـ«المعابر».
وقع الاجتياح في نهاية السنة الدراسية في الخامس من يونيو، وكانت فترة امتحانات. وانقسم أفراد الهيئة التعليمية في المدرسة بين مؤيد لانجاز الامتحانات ومطالب بتعليق الدروس، لأن الجنوب ليس جزءا معزولا من الوطن، بل ان الوطن يتعرض للاعتداء.
قصتا حب بين المعلمة نادين لبكي والاستاذ رودريغ سليمان، وبين تلميذ وتلميذة في المرحلة الابتدائية. يغوص الفيلم في نبش لليوميات اللبنانية في الحرب الأهلية والاجتياح الاسرائيلي ثم حرب تموز الاسرائيلية الثالثة في 2006.
يستحضر اللبنانيون من خلال الفيلم كيف واجهوا الحروب ومضوا في حياتهم، وانتقلوا الآن الى مواجهة أخرى وصفت بـ «الحرب الاقتصادية» جراء الأزمة المالية الخانقة التي تشهدها البلاد، تزامنا مع أزمات سياسية لا تنتهي وإن اختلفت أوجهها.
أهال يهرعون الى المدرسة لجلب أولادهم، في حين يتعذر على آخرين اجتياز المعابر، او حتى الاتصال بسبب انقطاع خطوط الهاتف الأرضية، وهي الوسيلة الوحيدة للاتصال وقتذاك. يوميات لبنانية مستعادة، كل حسب الحقبة التي عاشها من الحرب، التي دمرت الوطن وليس مناطق معينة فيه.
ومع ذلك رسم اللبنانيون ملامح مستقبل، وهم يمضون في المواجهة تبعا للظروف والأزمات التي لا تعرف نهاية في هذه البقعة من الشرق الأوسط. الخوف في الشريط بات محطة عابرة في اليوميات اللبنانية.
وبدا ان هناك يوما آخر حتما، وان كانت معالمه مجهولة، ذلك ان هدير الطائرات والدخان المنبعث من القصف لم يوقفا دورة الحياة في البلاد.
شريط جميل افتقد عشاق الفن السابع متابعته في الصالات. لكن الرسالة وصلت ولو من بعيد، من أميركا، عبر «نتفليكس».