يتعاظم حجم التحذيرات الدولية للسلطة اللبنانية، من مغبة الاستمرار في سلوكها السياسي المتخبط. وتيرةُ هذه التنبيهات ترتفع، ومضمونها يشتدّ خطورة. الامر طبيعي. فمع كلّ يوم يمرّ، يكبر حجم الحفرة التي تبتلع اللبنانيين، تماما كما الويلات التي يرمون في داخلها، وهذه الوحول القاتلة ستستمر في سحبهم نحو الاسفل، طالما المبادرة السياسية للانقاذ غائبة.
آخر جرس إنذار من المشاهد السوداوية التي تنتظرنا، دقّه من بيروت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جايمس كليفرلي. فوفق بيان صادر عن السفارة البريطانية اليوم، قال كليفلرلي: “على القادة اللبنانيين التحرك الآن لإنقاذ لبنان من كارثة اقتصادية شاملة”. وحثّ “سياسيي لبنان على تنفيذ إصلاحات عاجلة لمنع البلاد من الانزلاق أكثر في الأزمة الاقتصادية”، مضيفا: “شعب لبنان يستحق مستقبلا أفضل. المساءلة والشفافية وتحمل المسؤولية أمور أساسية لنهوض لبنان من جديد”.
وكان الدبلوماسي البريطاني كتب مقالا الخميس، مدويا في مضامينه، جاء فيه: “يواجه لبنان الآن خطرا متناميا يهدد مواطنيه. هذا الخطر يأتي كنتيجة مباشرة لنموذج اقتصادي فيه خلل. وكما كان الحال بالنسبة للانفجار في المرفأ، فهذه مشكلة من صنع البشر أيضا وكان بالإمكان تفاديها. لقد كان هذا الخطر في العموم صامتا، غير أنه الآن يتعاظم يوما بعد يوم. وباتت حالات الطوارئ وشيكة في التعليم والرعاية الصحية وفي قطاع الكهرباء أيضا. ولكن الخطر الأكثر إلحاحا هو ذاك المتعلق بالأمن الغذائي: لبنان على شفير عدم استطاعته إطعام نفسه. وأكرر هنا ندائي لقادة لبنان القيام بما يلزم وتحقيق الإصلاحات اللازمة، ووضع لبنان على درب يصل به إلى مستقبل مستدام وذي شفافية ومساءلة وشمول. إن التخطيط لأزمة ليس مجرد ممارسة فنية، بل إنه في نهاية المطاف خيار سياسي. ولا بد لكم من وضع خطة عمل وأن تكونوا مستعدين لتنفيذها من أجل مصلحة أكثر الناس حاجة للمساعدة. وها هو المجتمع الدولي وشعبكم يراقبون”.
هذه الرسالة التي توجّه فيها كليفرلي بالمباشر الى المسؤولين، واضعا اياهم امام مسؤولياتهم، تلت رسالة مماثلة من حيث المضمون، وجهها المجتمع الدولي بأسره، خلال مؤتمر دعم الشعب اللبناني الاربعاء، الى القادة اللبنانيين، بضرورة التحرك اليوم قبل الغد لتفادي الاسوأ…. لكن أين هؤلاء من هذه النداءات؟
تأسف مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية”، لكون هذه البذور تقع في أرض بور، وتذهب كصرخة في واد. فكل التطورات السياسية تؤكد ان لا فرج مرتقبا وان الافق السياسي – الحكومي مقفل بإحكام. لا اتصال بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، والتباعد بينهما على حاله. حتى ان بعبدا تبدو كمن قرر الاستغناء عن عملية التشكيل وشؤونها وشجونها، واستبدالها بالمجلس الاعلى للدفاع الذي تحوّل الى شبه مجلس وزراء، وبمحاولات لتعويم حكومة تصريف الاعمال، في رسالة قوية وجهها عون الى الرئيس المكلف. فيما الكباش استجدّ “بصمت” ومن “تحت الطاولة”، بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية التدقيق الجنائي، وقد استفاق التوتر ايضا من جديد بين بيت الوسط والمختارة على خلفية عملية تشكيل الحكومة التي وصفها رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط امس بـ”لعب ولاد” وتحاصص بين بعبدا وبيت الوسط. اما حزب الله، تتابع المصادر، فيتفرّج على هذا التعثر كلّه ولا يتدخّل، كون ابقاء الاوضاع اللبنانية معلّقة يناسبه ويناسب مصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية.
الاكيد بعد هذه المعطيات كلّها، اننا نغرق اكثر فأكثر في “جهنّم” التي تحدث عنها رئيس الجمهورية منذ اسابيع، وأن هذا المصير البائس، تحمله في رقبتها المنظومة الحاكمة، التي كانت تعرف اننا ذاهبون الى الجحيم، ولم تتحرك.. على اي حال، ألم تفعل الامر نفسه مع نيترات المرفأ؟! تختم المصادر.