كتبت صحيفة العرب اللندية:
أحدث مقتل مسؤول سابق بالجمارك ضجة في لبنان، لاسيما مع حديث متزايد عن محاولات لطمس ملف انفجار مرفأ بيروت المدمر، وتعيد حادثة القتل إلى الأذهان مقتل مسؤول آخر في العام 2017 كان أول من حذر من نيترات الأمونيوم في المرفأ.
وتُحقق السلطات اللبنانية في مقتل مسؤول سابق بالجمارك في ما وصفه زعيم سياسي بارز بأنه “حدث مريع”. ويطرح مقتل العقيد منير أبورجيلي تساؤلات كثيرة حول دوافعه وعما إذا كان الهدف طمس حقيقة انفجار بيروت المدمر، لكن تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، في ظل الظروف المعقدة التي يعيش على وقعها لبنان.
ومن المفروض أن يكون القتيل من ضمن قائمة المسؤولين الذين تم استدعاؤهم من قبل قاضي التحقيق العدلي فادي صوان، الذي يشرف على التحقيقات المتعلقة بانفجار المرفأ، مع جميع من تولوا مسؤولية في المرفأ والجمارك منذ وصول شحنة نترات الأمونيوم عام 2013، والتي كانت السبب في الانفجار المروع.
وتم العثور على جثمان العقيد منير أبورجيلي في منزله الأربعاء الماضي مصابا بضربة في الرأس، في منطقة قرطبا على بعد 40 كيلومترا شمال شرقي العاصمة بيروت. وتستبعد مصادر أمنية لبنانية أن تكون عملية القتل بدافع السرقة، حيث لم يسجل أي عمليات كسر أو خلع لأبواب المنزل فضلا عن أنه لم تكن هناك أي مفقودات.
وتساءل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن دوافع الجريمة عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر الخميس. وأثار علامات استفهام حول ما إذا كان لمقتل أبورجيلي صلة بانفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل حوالي 200 شخص ودمار قطاعات كبيرة من العاصمة.
وكتب جنبلاط “ماذا وراء مقتل العقيد منير أبورجيلي رئيس مكافحة التهريب سابقا في الجمارك اللبنانية. هل أن هذا الحدث المريع لتعطيل أي تحقيق جدي في قضية الانفجار في مرفأ بيروت؟”. لكنّ مصدرا كبيرا بوزارة الداخلية قال “لغاية الآن لم يستدل على أي رابط بين المرفأ وجريمة القتل”.
وتعيد حادثة مقتل أبورجيلي إلى الأذهان عملية مماثلة تعرض لها العقيد المتقاعد جوزيف سكاف الذي كان أول من حذر من شحنة الأمونيوم في المرفأ.
وعثر على سكاف مقتولا أمام منزله في آذار 2017، وعلى رأسه أثار كدمات، وسبق لرئيس شعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال أن أخطر السلطات بـ”وجود الباخرة روسوس راسية على الرصيف رقم 11 في مرفأ بيروت، محملة بنيترات الأمونيوم الذي يستعمل للتفجير وهو شديد الخطورة ويشكل خطرا على السلامة العامة”.
وذكر سكاف في بلاغه “أن الباخرة كانت دخلت المرفأ بتاريخ 19 تشرين الثاني 2013 بالحمولة المذكورة حيث كانت متوجهة إلى موزمبيق إحدى دول أفريقيا.. لذلك نقترح الإيعاز إلى رئاسة ضابطة بيروت العمل مع السلطات الأمنية لإبعاد هذه الباخرة عن الرصيف إلى كاسر الموج وإذا أمكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الأجهزة الموجودة في المرفأ”.
وبعد مقتله صدر تقريران متناقضان عن طبيبين شرعيين كلفتهما النيابة العامة الكشف عن الجثة حيث أشار أحد التقريرين إلى أن ما حصل قضاء وقدرا، فيما أكد التقرير الثاني بحسب وسائل إعلام محلية أنذاك، أن هناك من يقف خلف ما حدث ورمى به على ارتفاع ثلاثة أمتار.
وعقب انفجار بيروت أعاد ابن العقيد الراحل النبش في قضية والده عبر منشور على “فيسبوك” قال فيه إنه “في آذار العام 2017 تمّ ارتكاب جريمة بحقّ العقيد المتقاعد في الجمارك جوزيف سكاف، الذي لم يسقط كما قيل، فالعقيد هوجم بوحشيّة، وقتل أمام منزله”، وأضاف “القضية لم تُقفل، والعائلة تنتظر تحقيقا جديا وشفافا منذ 3 سنوات لكشف ملابسات الجريمة”.
ويرى مراقبون أن جميع الاحتمالات واردة في مقتل أبورجيلي، وفي مقدمتها إمكانية ارتباطها بانفجار المرفأ لاسيما مع اتهامات بوجود نوع من التراخي في حل لغز هذه القضية، وسط تحذيرات المتضررين من الانفجار من نية لطمس هذا الملف.
وتضمنت محطات مسيرة أبورجيلي المهنية رئاسة شعبة المكافحة البرية في بيروت ورئاسة شعبة الجمارك في المطار ورئاسة شعبة التخطيط والتنظيم في المجلس الأعلى للجمارك.
وقال مصدر أمني إن أبورجيلي لم يتم استدعاؤه للاستجواب في التحقيق الخاص بانفجار بيروت ولم يخدم في المرفأ. وقال جوزيف خليل وهو محام وقريب لأبورجيلي إن العائلة تنتظر نتائج التحقيق.
وللمفارقة أنه وبعد يومين على مقتل أبورجيلي والضجة التي أثارها سارع “حزب الله” إلى رفع قضايا بحق نائب سابق وموقع إخباري حزبي على خلفية ما وصفه باتهامات “باطلة” في قضيّة انفجار المرفأ، لافتاً إلى دعاوى أخرى ستُرفع تباعاً.
وليس من المعهود على الحزب رفع قضايا في الاتهامات الموجهة ضده في الداخل، فهو عادة ما يتولى الأمر بنفسه بإرسال عناصره لاستهداف المؤسسات الإعلامية وترويع السياسيين الخصوم.
وقال النائب عن الحزب إبراهيم الموسوي للصحافيين من أمام قصر العدل في بيروت الجمعة إنّ “الاتهامات التي وُجهت إلى حزب الله في قضية تفجير المرفأ باطلة وتشكل ظلماً حقيقياً وعدواناً حقيقياً واستمراراً لجريمة المرفأ”.
وأوضح “قمنا بتكليف مجموعة من الإخوة المحامين لرفع دعاوى قضائية أمام القضاء لملاحقة ومتابعة كل الذين مارسوا التضليل والتزوير والافتراء والاتهامات الباطلة”. وأضاف “الدعوتان اللتان قُدمتا اليوم هما ضد فارس سعيد وضد موقع القوات اللبنانية، وثمة دعاوى ستسمعون بها لاحقاً”.
ولم يذكر الموسوي التصريحات التي تمّ على أساسها رفع الدعوتين بحق سعيد، وهو نائب سابق، وموقع القوات اللبنانية. ويُعد الطرفان من أشد المعارضين لحزب الله. وغالباً ما يوجهان انتقادات لاذعة لأدائه السياسي ولسلاحه.