IMLebanon

النظام السوري يقاسم لبنان آخر دولاراته

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

التناتش على آخر الدولارات بين لبنان وسوريا في أوجّه. الحصار يشتد على نظام البعث من جهة، والرئة اللبنانية التي لطالما شكلت متنفّساً يُدخل أوكسجين العملة الصعبة إلى سوريا، ثقبت بسهم الأزمة القاتل من الجهة الثانية. ومع هذا، لا يزال النظام السوري وحلفاؤه يستغلون انهيار لبنان “ليدقّوا” بسياسات تخريبية متعمّدة “المسمار” الأخير في “نعشه” المنخور بسوس الفساد والمحاصصة والسرقة، من دون أن يرف لهم جفن.

في تقرير صادر حديثاً عن مجلة “فورين بوليسي” يظهر “أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشعر بالقلق من الدور الذي يمارسه النظام السوري لزعزعة الوضع في لبنان. حيث اعتبر التقرير أن “النظام” يعمل على تقويض الوضع في لبنان من خلال رفع سعر عملته الضعيفة، وزيادة نفوذه على الحكومة الهشة عبر “حزب الله”، وتعمّد سرقة الأموال من النظام المصرفي وتهريب الوقود عبر الحدود.. ما أسهم في تدهور الليرة اللبنانية”.

رئة النظام

تتبّع الإجراءات المتخذة من قبل النظام السوري منذ العام 2017 يقودنا إلى دور فعال لعبه النظام في استغلال الأزمة اللبنانية لتحصين وضعه ومحاولة الحصول على أكبر كمية ممكنة من الدولار، إذا احسنّا الظن. أو إلى تعمّد إفتعال المشاكل و”صب زيت” سياساته الهدامة على “نار” الأزمة في أسوأ الظنون. فـ”لبنان تحوّل خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى الرئة التي يتنفس منها النظام السوري العملة الصعبة”، يقول الخبير الإقتصادي رازي الحاج. “وذلك يظهر جلياً بارتفاع فاتورة استيراد النفط في لبنان خلال الفترة الماضية عن معدلاتها الطبيعية بمقدار كبير جداً. حيث كانت الكمية المضافة تهرّب إلى سوريا. كما لعب النظام دوراً أساسياً عبر وسطاء لبنانيين وسوريين في المضاربة على الليرة اللبنانية وشراء الدولار وبيعه في سوريا”. والأكيد، بحسب الحاج، ان “لبنان تحمل ضغوطات كبيرة جراء العقوبات التي طالت سوريا”.

الإجراءات التي اتبعها النظام في استغلال لبنان يمكن تقسيمها على ثلاثة محاور أساسية: نقدية، سياسية وتجارية.

في الشق النقدي ادت صفقة “الدولار مقابل التبرئة من الفساد” التي عقدها النظام مع حوالى 70 رجل أعمال في أيلول الفائت، أي قبل شهر واحد من إندلاع الأزمة اللبنانية، إلى شفط ما لا يقل عن مليار دولار من المصارف اللبنانية. الهدف العلني للصفقة كان الدفاع عن الليرة السورية ورفع قيمتها إلى حدود 500 ليرة مقابل الدولار. إلا ان هذا الإجراء كان عقيماً. فلا الليرة السورية استطاعت أن تثبت عند هذا المعدل، ولا المصارف اللبنانية التي كانت تقف على حافة الافلاس استطاعت امتصاص الصدمة والتعويض عنها بمزيد من التدفقات النقدية الخارجية. فخسر الإقتصاد اللبناني ولم يربح السوري. حيث ارتفعت الليرة السورية إلى معدلات قياسية تجاوزت 4000 ليرة مما اضطر المركزي السوري الى رفع سعر الصرف الرسمي من بعدها إلى 1250 ليرة مقابل الدولار.

تصعيب إجراءات العودة

في الشق السياسي اتخذ النظام السوري مجموعة إجراءات تنظيمية لعرقلة وتصعيب عودة اللاجئين السوريين من الدول المجاورة، وبالأخص من لبنان. ففرض الخدمة العسكرية الإجبارية على كل شاب يتجاوز الثامنة عشرة من العمر يعود إلى سوريا، أو دفع مبلغ 8 آلاف دولار نقداً مقابل الإعفاء. وتعمّد رفع رسوم تجديد جواز السفر. واستمر في تطبيق القانون رقم 10 الذي يهدف للاستيلاء على أملاك المهجّرين. كما أصدر أخيراً القرار رقم 46 الذي يجبر أي عائد على تصريف مبلغ 100 دولار بالسعر الرسمي، وهو ما يشكل 3 أضعاف الدخل الشهري في سوريا. كل هذه العوامل حمّلت الإقتصاد اللبناني عبء تمويل معيشة نحو 1.5 مليون سوري أكثريتهم يعيشون تحت خط الفقر، وأراحت النظام من رفع فاتورته الغذائية والصحية والتعليمية.

إغراق الأسواق بالبضائع الإيرانية والسورية

أما في الشق التجاري فيظهر حساب ميزان التجارة في سوريا تراجع الواردات بنسبة 24 في المئة على أساس سنوي وزيادة الصادرات بنسبة 76 في المئة. وبما ان الإقتصاد السوري محاصر بالعقوبات، فان أغلبية السلع توجهت إلى أسواق محددة. ومن المرجح ان يكون لبنان قد حاز على الحصة الأكبر نتيجة سهولة الوصول إلى أسواقه، وتراجع قيمة البضائع السورية بسبب انهيار سعر صرف الليرة، والنقص في السلع الأساسية في لبنان. الأمر الذي سمح، بحسب المحللة في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” حنين غدّار، “باغراق السوق اللبناني بالمنتجات السورية والإيرانية”.

حصول سكان لبنان على سلع وبضائع بأسعار رخيصة بالمقارنة مع البضائع الأوروبية يقابله، برأي الحاج، “إمكانية دخول جزء كبير من هذه البضائع عبر التهريب، مما يحرم الخزينة من عائدات الضريبة والجمارك، ويشكل منافسة غير مشروعة للانتاج الوطني”. هذا عدا عن الضرر الكبير الذي تسببه المنافسة غير المشروعة للمشاغل السورية التي أنشئت في لبنان بعد العام 2011 على الصناعة الوطنية. وهو الامر الذي كان محط مطالبة “جمعية الصناعيين اللبنانين” الدائمة، بضرورة ايقاف هذا النوع من الإقتصاد غير المنظم.

“إيرانيان” تتوسع في سوريا ولبنان

إغراق السوق اللبناني لن يقتصر في السنوات القادمة على البضائع السورية إنما الإيرانية أيضاً حيث افتتحت الأخيرة مركزاً تجارياً ضخماً في دمشق (إيرانيان)، يمتد على مساحة 4 آلاف متر مربع وبقدرة تصديرية تصل إلى مليار دولار إلى سوريا حتى نهاية العام الحالي فقط. وبحسب نائب رئيس غرفة التجارة السورية الإيرانية فهد درويش فان هدف المركز استقبال البضائع الإيرانية وتوزيعها على سوريا ودول الجوار. وهذا ما سيتم بحسب التوقعات بتسهيل من “حزب الله” وحلفائه السياسيين “الذين يملكون نفوذاً قوياً في لبنان”، بحسب تقرير “فورين بوليسي”.

إذا كان التبادل التجاري حقاً يقوم على المنافسة الشريفة، فان استمرار التهريب بالإتجاهين بين لبنان وسوريا والمضاربة على الدولار هو باطل. وعلى السلطة اللبنانية وضع حد لهذه التجاوزات التي تهدد بزوال الاقتصاد اللبناني. خصوصاً مع التوقع بازدياد وتيرة الشراسة في الطلب على الدولار خلال الفترة المقبلة.