كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يُدرك النائب نهاد المشنوق كيف ينتقي اطلالاته. ينسق خطواته ويدرسها عن ظهر قلب، ومتى وجد ان الاوضاع ازدادت تعقيداً سجل موقفاً أو زيارة ذات بعد ومغزى. لقاؤه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس كان لافتاً. تجمع الرجلين علاقة ودّ وثقة قديمة العهد. يحاضر المشنوق في مواقف بري الوطنية، يعلم بواطنها وما تخفيه من مقاصد عن ظهر قلب. يحفظ لرئيس المجلس “أنه الوحيد الباقي في البلد المتمسك بالدستور بديلاً من الرئاستين” ولكن “شو بدها اكتافه تحمل لتحمل”.
وان تأتي الزيارة في اعقاب حديث بري عن “الاستعراضات الاعلامية والغوغائية والغرف السوداء”، يعني ان الغرف السوداء هذه وما تخفيه احتلت صدارة البحث والنقاش الذي تمحور “حول عدم امكانية الاستمرار في السكوت، ولا القبول في التعاطي وكأن شيئا لم يحصل”. في توصيفه هي “زيارة نائب لرئيس مجلس النواب فعرضتُ وجهة نظري وتبين لي ان الرئيس بري على علم وبيّنة بالمخاطر المحدقة وحجم الغرف السوداء. وكلامه هذا لم يأت من فراغ وبالتالي هو يحذر منعاً لمزيد من المواجهة الداخلية والتأزم”.
كلما تعقدت الأزمة وطال امدها ازدادت مواقف المشنوق حدة وخرج شاهراً صراحته على العامة محذراً. وهل لموقف اكثر تصعيداً من اعتباره “ان بعبدا محتلة دستورياً ورئاسة الحكومة شاغرة”، ودليله الى ذلك “اجتماعات مجلس الدفاع الاعلى الذي وخلافاً لكل النصوص الدستورية والطائف يأخذ قرارات بديلاً عن الحكومة”. برأيه طالما الاوضاع بلغت حداً من التأزم فهناك حكومة تصريف اعمال “في ظروف معينة يمكن لهذه الحكومة ان تجتمع لبحث قضايا محددة”.
لم يبدّل المشنوق موقفه من “ان الرئاستين شاغرتان” وقد ازداد اصراراً على موقفه هذا اليوم وهو يؤكد “ان الرئاسة الاولى شاغرة سياسياً بسبب وقوفها الى جهة دون أخرى في البلد، ورئاسة الحكومة شاغرة منذ زمن بسبب الاعتداء على صلاحياتها او على دورها، او بسبب منع تشكيل الحكومة بالوقت المناسب والاسماء المناسبين في ظل تأكيدات على ذهابنا نحو الانهيار الكامل والشامل”. يرفض المشنوق تقييد الرئيس المكلف بعامل الوقت قائلاً: “رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ترك لنفسه اختيار الوقت المناسب من وجهة نظره، لأن اي شيء غير التفاهم على تشكيل الحكومة سيتسبب بالانهيار، وهو لا يريد ان يضع نفسه في هذا المجال بصرف النظر عما اذا كان على حق او على باطل”. لم يعد الموضوع متعلقاً بأزمة يمكن تقطيعها بسهولة، وبرأيه أن “البلد منهار واي تصرف منه متسرّع لن يحقق التفاهم بل يسرع الانهيار”.
“الأفق الوحيد” الذي يراه المشنوق ممكناً هو ان “يشكل حكومة تأخذ في الاعتبار تفاهماً داخلياً وقدرة على التفاهم مع الخارج وهذان سببان ليسا متوافرين بعد”. لا تتصل أزمة لبنان بعوامل داخلية صرفة وفي ابعادها ثمة تفاصيل أبعد وأكثر خطورة، ولذا فهو لا يفصل وضع لبنان عن أبعاده الخارجية، “ثمة موضوعان لا ثالث لهما حالياً وهما ترسيم الحدود والعلة من الخارج والتي اصبحت جامدة بسبب الموقف الاسرائيلي، وتشكيل الحكومة والذي يظهر انه معطل لأسباب داخلية وخارجية”، ولكن في الازمتين لا يوجد أفق زمني محدد “لكن لا اعتقد ان الرئيس الحريري سينتظر الى ما لا نهاية، ولا اعتقد بالمقابل انه تسلم كل الاسماء او الترشيحات الكاملة لأسماء الوزراء”.
من عين التينة انطلق المشنوق في جولته التي ستشمل رؤساء حكومات ورؤساء احزاب وشخصيات سياسية من بينها بالتأكيد رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط، فهل يعتبر ذلك بمثابة تمهيد لتحرك ما في السياسة؟ ما يشدد عليه المشنوق وفي ضوء “المخاطر الكبرى المحدقة، وجوب ان يتم التفاهم بشأن كيفية مواجهتها من الداخل وسبب التأثيرات من الخارج وهذه لا بد من التحضر لها ايضا”، ويختم: “قد يكون الجميع مدركاً لحقيقة الوضع أكثر مني ولكن التشاور واجب تقتضيه دقة المرحلة”.