لماذا يصرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على زيارة لبنان خلال الشهر الحالي، في زيارة ستكون الثالثة له إلى بيروت خلال 5 أشهر بعد زيارتي 6 آب و1 أيلول الماضيين؟ وهل لا يزال ماكرون مقتنعاً بشكل جدي أن أي ضغوط يمارسها على الطبقة الحاكمة في لبنان يمكن أن تنتج حكومة جديدة بمواصفات فرنسية؟ أم أن هدف الزيارة يقتصر على الإصرار على الإبقاء على الحضور الفرنسي في لبنان عشية استلام الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة في واشنطن؟
ثمن من يهمس في الكواليس اللبنانية أن على ماكرون، إن كان جدياً في السعي لتسهيل ولادة حكومة جديدة، أن يقصد طهران لا بيروت، لأن مفاتيح الحكومة الجديدة موجودة في العاصمة الإيرانية وليس في أي مكان آخر!
يُدرك الرئيس الفرنسي أن كل الأطراف في الداخل اللبناني عاجزة عن تقديم أي حلّ، وذلك أولاً لأنها تسعى إلى حماية مصالحها وحصصها في السلطة كما لأنها تخشى من الإفساح في المجال أمام مجموعة من المتخصصين المستقلين لدخول الوزارات التي تشبه مغارة علي بابا، ما يضع المعنيين أمام خطر انكشاف ارتكاباتهم خلال الأعوام والعقود الماضية. حتى الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يصرّ في الشكل على حكومة تراعي المواصفات الفرنسية ولا تحيد عن مبادرة باريس، يدرك أنه عاجز عن اللعب مع “حزب الله” كما مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لا بل حتى وقع تحت ضربات صديقه وليد جنبلاط الذي سخر بحقيبتي الخارجية والسياحة اللتين عرضهما الحريري عليه ما يؤشر إلى حجم المحاصصة. ولذلك يعلم الجميع أنه حين يأتي أوان الولادة الحكومية سيقدّم الحريري المزيد من التنازلات في حال بقيت المعادلات كما هي اليوم، وربما يكون امتنع عن تقديم كل هذه التنازلات بعد الرضوخ لمطلب إبقاء حقيبة المالية بيد الطائفة الشيعية لأنه اقتنع أن أي تنازلات حالياً لن تنفع وبالتالي ستراكم خساراته من دون أن تولد الحكومة لأن الضوء الأخضر الإيراني لم يأتِ بعد.
وبالتالي يصبح السؤال مشروعاً: هل يستمرّ الرئيس الحريري في مناورات تمرير الوقت أم يقدّم تشكيلة متكاملة لرئيس الجمهورية لوضع الأمور في نصابها القانوني قبل الزيارة المرتقبة للرئيس ماكرون؟ وهل يقدم الحريري على محاولة “حشر” عون بتشكيلة يراعي فيها المطالب الشيعية والدرزية وحصّته السنية ويتجاهل مطالب “التيار الوطني الحر” والنائب جبران باسيل؟ وكيف يمكن التوفيق بين جوهر المبادرة الفرنسية ورضوخ الحريري لمبدأ إرضاء بعض الأطراف في الداخل؟
ويصح السؤال بعد أكثر من 3 أشهر على إطلاق الرئيس ماكرون للمبادرة الفرنسية، ماذا بقي من هذه المبادرة التي ارتبطت بمهل زمنية واضحة وبقاعدة إبعاد الأحزاب عن المشاركة في “حكومة المهمة” من أجل تسهيل عملها والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة؟
ما بات واضحاً بعد كل الفشل الفرنسي نتيجة تعنّت أطراف الداخل بتوزيع أدوار مدروس من “حزب الله”، أن ما يحتاجه لبنان هو مبادرة إيرانية لا فرنسية تقضي بالطلب من “حزب الله” تسهيل ولادة الحكومة، وهو ما سينتظر حكماً المفاوضات الإيرانية- الأميركية بعد تسلّم بايدن وما ستطلبه إيران من أثمان من الإدارة الأميركية طالما الفرنسيون عاجزون عن تقديم أي ثمن يطلبه الإيرانيون.