كتب شربل داغر في صحيفة “نداء الوطن”:
أذكر أنني، مع أحد الأصدقاء، زرنا، في مطالع السبعينات، مكتباً في بناية اللعازرية، في وسط بيروت التاريخي: “منشورات نزار قباني”.
زرناه من دون موعد، مثلما كنا نفعل من دون رادع في أمور كثيرة غيرها.
استقبلنا نزار، يومها، ببشاشته التي تتقدم ديبلوماسيته في التعامل. لكنني ما لبثتُ أن تأكدتُ، في لاحقِ السنوات، من صدق بشاشته اللطيفة.
لم أكن أحب نزار الشاعر، خصوصاً في اندفاعاتي الأولى الغامضة صوب القصيدة. لكنني توقفتُ، يومها، عند كون قباني هو الكاتب العربي الوحيد الذي يعيش من أدبه.
هذا ما تأكدَ لي بعد أن ازددتُ معرفة بالأدباء العرب، إذ وجدتُ انهم يعتاشون من مهنة ثانية: الصحافة، التعليم، الوظيفة الرسمية وغيرها. وأن بعضهم يعتاش من مهنتَين اثنتَين أو أكثر.
قبل أن أعرف في السنوات الأخيرة أن عدداً بالغاً منهم يصرفون أموالهم المعدودة لنشر كتبهم، ولاسيما الشعراء منهم.
نزار قباني كاتبٌ نادر في العربية المتأخرة، في نجاحاته الجماهيرية، كتاباً وصورة. ولقد استطاع وحده بين الشعراء العرب أن يَجمع بين جمهور عريض من القراء، وبين مطربات ومطربين لغناء قصائد من شعره. هذا ما أضاف إلى جمهوره جمهوراً مزيداً…
أما حال أدباء، اليوم، فتزداد صعوبة، لدرجة أن الواحد منا يتساءل: لماذا الإصرار على الكتابة، على الكتاب؟ أهو هوس المراهق المتمادي؟ أهو بريق قديم لا يزال يلمع في عيون بعض المفتونين بلِعْبهم مع اللغة وبها؟
الأكيد هو أن بنى المجتمع لا “تستقبل” الكاتب العربي بما يستحقه، بما يناسبه. وهو ما يصح في دُور النشر المتمكنة من اعمالها، فتتنامى ثروات الممسكين بها، بفضل… الكاتب العربي، من دون الكاتب نفسه.
نزار قباني صرف نظره عن دُور النشر، وتكفل بنفسه بأحوال كتبه. أهذا هو المثال المتاح والوحيد للكاتب العربي أم أن له أن يبقى عوّالاً على مهنه الأخرى؟