كتب عماد موسى في صحيفة “نداء الوطن”:
منذ النصف الثاني من التسعينات لم أفوّت كمواطن صالح انتخابات نيابية عامة أو فرعية أو انتخابات بلدية، العام 1992 لم يكن لا القانون صالحاً ولا الجو صالحاً فقاطعت. أول مرة شاركت في الانتخابات كانت بعد وفاة النائب جوزف مغيزل. أسقطت ورقة بيضاء محافظاً على مسافة واحدة من المرشحين. وكوني بلغت سن الرشد السياسي قبل الثامنة عشرة، أكتفي باستشارة قناعتي وأطّلع على سيَر المرشحين قبل أن انزل الورقة في الصندوق، هذا قبل انتخابات 2018 التي حرمت الناخب تشكيل لائحته الخاصة كما يختار الذوّاقة بنفسه ingredients البيتزا.
في الانتخابات البلدية الأخيرة (أيار 2016) أقبل علي شاب عشريني قبل أن أدخل إلى مركز الاقتراع في الأشرفية ودعاني إلى انتخاب لائحة “بيروت مدينتي”. سألته لماذا؟ أقنعني قال: لأنها ضد الأحزاب. ابتسمت وعلّقت “ماذا لو كنت حزبياً”؟ شعر بالارتباك. ألديك سبب آخر لأنتخب “بيروت مدينتي”؟ أجاب: “لائحتنا علمانية”. وهل اللائحة المقابلة ذات هوية إسلامية أو مسيحية؟ ولم أرد إحراجه أكثر لأعرف منه ماذا يعرف عن العلمانية. تابعت طريقي وانتخبت… سياسياً.
تبدو العلمانية التي يطرحها الشباب اليوم، كما في الأمس القريب، أقرب ما تكون إلى “تراند”، تماماً كمن يضع على كتفيه الكوفية التي اشتهر بها ياسر عرفات وهو “مش سامع” لا بعرفات ولا بجورج حبش ولا بالعمل الفدائي. تسمع القادة الطلابيين ولا تجد في خطابهم فكرة مثيرة للنقاش ويقابلهم حزبيون يرددون آلياً ما سمعوه.
علمانية الجيل الجديد ضد الأحزاب. وانتهى الموضوع هنا. ولا يفرّقون بين حزب ينطلق من إيديولوجية دينية ويخضع لها كـ”حزب الله” مثلاً ويتبنى في الوقت نفسه إلغاء الطائفية السياسية، وبين حزب ينادي بالعلمانية كالحزب “التقدمي الاشتراكي” وهو الممثل الأقوى لطائفة الموحدين الدروز، بين حزب قوي في البيئة المسيحية ويناهض الدولة الدينية كحزب “القوات اللبنانية”.
تستشف من الاستماع إلى العلمانيين الشباب على محطات التلفزة، أنهم مأخوذون كلياً بأحلام التغيير ورومانسية الثورة وأكاد أقول إنهم منفصلون تماماً عن الواقع المجتمعي وعن تاريخ لبنان، والأرجح أنهم اكتفوا بكتاب التاريخ المدرسي، وبعض الإضافات الشفوية مما يسمعونه هنا وهناك. جيد أنهم شكّلوا “حالة” والخوف ألّا يُحبطوا كما أُحبط سواهم، بعد تجاربهم في السبعينيات.
ولعله من المفيد أن يسأل واحدهم نفسه: لماذا لم تنجح العلمانية في تركيا وهي في صلب الدستور، وفي تونس التي منعت قوانينها تعدد الزوجات، وفي العراق تحت ديكتاتورية البعث، ونجحت في فرنسا وأميركا وأوروبا؟ ويبحث عن إجابات.
ومن المفيد أن يسأل أيضاً كيف لحزب علماني كالحزب “السوري القومي الاجتماعي” أن يتحالف مع “قوى طائفية”؟
في المحصلة ليت العلمانية تنجح في لبنان. و”ليت” من الحروف الناسخة تستعمل للتمني، وترتبط بالأمور الصعبة والمستحيلة. فليت الشباب يعود يوماً لأشارك في زمان العلمانية.