IMLebanon

عيد الميلاد: من أين أتى قدّاس منتصف الليل؟

كتب جان صدقه في “نداء الوطن”:

هو من أبرز الأعياد المسيحيّة، فيُمثّل تذكار ميلاد يسوع، يُحتفل به بين ليلة 24 كانون الأوّل (ديسمبر) ونهار25 التالي، ويُعدّ قدّاس منتصف الليل، أو “قدّاس الديك”، القدّاس التقليديّ الذي يحتفل به المسيحيّون عشيّة عيد الميلاد تقليدًا يعود إلى القرن السابع. من أين يأتي هذا التقليد؟

ثمّة تسمية دقيقة يُطلقها التقويم الليتورجيّ الكاثوليكيّ الحاليّ هي “قدّاس الليل”. وقد فرضت صيغة “قدّاس منتصف الليل” نفسها بسبب عادة الاحتفال بهذا القدّاس في منتصف الليل عادة.

من الظلام إلى النور

في 24 كانون الأوّل، عند منتصف الليل، يرمز تمديد الوقت إلى الانتقال من الظلام إلى النور. لم يكن الاحتفال بعيد الميلاد موجودًا دائمًا بين المسيحيّين، إلى أن حدّد البابا سيكستوس الثالث Sixte III (432-440) ولادة يسوع في 25 كانون الأوّل، يوم الانقلاب الشتويّ، الذي يمثّل بداية فصل الشتاء، وهو اليوم الذي يكون نهاره أقصر نهار طوال أيام السنة، والتاريخ الذي يمثّل بداية إطالة الأيّام فيرمز إلى النور السائد على الظلام، في إشارة إلى نبوءة إشعيا: “اَلشعب السالِك فِي الظلمَة أَبصَر نُورًا عَظِيمًا. الْجالسون فِي أَرْض ظلال الْموت أَشرق عَلَيهِم نُور” (9، 1). وقد احتفل به البابا للمرّة الأولى في روما، واتّخذ تسمية “قدّاس منتصف الليل”. فمن الناحية الرمزيّة، يبدأ الاحتفال بميلاد يسوع الذي صار إنسانًا في الثانية الأولى من يوم عيد الميلاد، ما يوضح انتصار النهار على الليل، والحياة على الموت، إذ درج التقليد الكنسيّ على اعتباره في منتصف الليل، على أنّ البابا بيّوس الحادي عشر (1922-1939) ثبّت التوقيت رسميًّا في 1921.

يستحضر القدّيس توما الأكويني في كتابه “الخلاصة اللاهوتيّة” Somme théologique (III, 83, 2)، وكذلك Jacques Bossuet (1627 –1704) في تعليمه المسيحيّ صورة “ولادة ثلاثيّة للمسيح”: ولادته الخالدة والإلهيّة كما يتّضح من قدّاس منتصف الليل، وميلاده الروحيّ ثمّ الجسديّ. هذه الممارسة، التي ستلهم بشكل خاصّ Alphonse Daudet في الحكاية الشهيرة ” Lettres de mon moulin”، قد اختفت اليوم تقريبًا، ولم يتبقّ سوى قدّاس منتصف الليل الذي حافظت عليه الثقافة المسيحيّة.

لكنّ الليتورجيّا احتفلت في القرن السابع بقداديس عديدة في هذه المناسبة هي:

  • قداس عمّانوئيل الذي يُحتفل به في اليوم السابق للميلاد عند غروب الشمس
  • “قدّاس الملائكة” أو “قدّاس منتصف الليل”
  • “قدّاس الرعاة” أو “قدّاس الفجر”
  • “قدّاس الكلمة الإلهيّة” أو “قدّاس النهار”.

الميلاد عيد دينيّ – إجتماعيّ – ثقافيّ عالميّ

يحتفل معظم المسيحيّين بالعيد في العالم (96 %)، وحوالى الثلثين (2/3) من غير المسيحيّين، بحسب دراسة حديثة لمركز بيو الأميركيّ Pew Research Center شملت حوالى ألفي شخص؛ وهو عطلة رسميّة في أغلب دول العالم. إستنادًا إلى هذه الدراسة، يحتفل 8 من أصل 10 أميركيّين بالميلاد، لكنّ عددًا منهم يرى أنّه أيضًا حدث إجتماعيّ – ثقافيّ – عائليّ؛ فيما أعلن 7 في المئة أنّ العيد لا يعنيهم، ورفض 1 في المئة الإجابة. كما يرى 51 في المئة أنّ الميلاد عيد مسيحيّ، فيما يفضّل 32 في المئة أنّه حدث ثقافيّ – اجتماعيّ. وترى 57 في المئة من النساء أنّه عيد دينيّ، مقابل 46 في المئة من الرجال. في ليلة العيد، يشارك 54 % في قدّاس نصف الليل، مقابل 36 % في الآحاد العاديّة .ويؤمن 73 % أنّ يسوع وُلد من أمّ عذراء، فيما يعتقد 50 % من الذين لا يحتفلون بالعيد أنّ يسوع هو ابن السيّدة مريم العذراء، عليها السلام.

شجرة الميلاد

لا ترتبط شجرة الميلاد عمومًا بالحدث الدينيّ للعيد. ثمّة 73 في المئة من غير المسيحيّين ينصبون الشجرة في بيوتهم، من بينهم 32 في المئة من اليهود، بحسب الدراسة الأميركيّة.

في فرنسا، يرى 68 في المئة أنّ الميلاد عيد مسيحيّ، إنّما هو أيضًا حدث اجتماعيّ ومناسبة عائليّة بحسب «Le monde des religions» الصادرة في 25 كانون الأوّل 2014. ويلحظ 80 % من الفرنسيّين أنّ الميلاد بات للأحرى مناسبة عائليّة بامتياز.

في الولايات المتّحدة الأميركيّة، يجتمع 86 % من العائلات ليلة الميلاد، من بينها 51 في المئة من عائلات غير مسيحيّة. ويرى 86 % من الأميركيّين أنّ تبادل الهدايا أمر لا ينفصل عن روح الميلاد. ويُعتبر عيد الميلاد المناسبة الأولى من حيث إنفاق الأموال في العالم. في الولايات المتّحدة الأميركيّة، يبدأ موسم التسوّق في مطلع تشرين الثاني، وكذلك في كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها.

أخيرًا، ثمّة ميتة تفيد أنّ السماء، في الميلاد، تحتفل بولادة نجوم عديدة جديدة. إنّها روحيّة الميلاد الذي يضاعف النور في داخل الكون، كما في داخل كلّ منّا.