كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ثلاثة عوامل جديدة، أضافت إلى زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بعض الإثارة، علّها تحمل جديداً من شأنه أن يخرق الجمود الحاصل في الملف الحكومي.
أول تلك العوامل، هو الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت، وهي الثالثة له في مدة زمنية قياسية. الأكيد أنّ الإدارة الفرنسية ذاقت الأمرّين من الطبقة السياسية اللبنانية التي تعاند الاستسلام لشروط المجتمع الدولي، الذي يرفض بدوره ان يمنح هذه الأطراف اوكسجين بقائها وصمودها، ولهذا يضع شرط الاصلاحات البنيوية نصب عينيها كي تكون ممرها الإلزامي لكسر الحصار المالي الحاصل. ومع ذلك، لم ييأس ماكرون في محاولاته اللبنانية، وها هي الزيارة الثالثة تأتي بالتزامن مع تحذيرات مصرف لبنان من وقف الدعم، أو ترشيد آخر دولاراته، قبل وقوع الانفجار الكبير.
ثاني تلك العوامل، هو الوضع الاجتماعي الآخذ في التدهور بشكل دراماتيكي تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المالية، فيما سيصب رفع الدعم الزيت على نار توتر الشارع الذي يبدو أنّه استعاد بعضاً من عافيته. ولذا فإنّ الحاجة إلى حكومة جديدة باتت أكثر من ملحة للمنظومة الحاكمة قبل غيرها، لكي تحمي مكوناتها من غضب الناس الذين اذا ما انتفضوا هذه المرة، فقد يحرقون الأخضر واليابس. ولهذا تشعر القوى السياسية بضغط غير مسبوق يلفّ أعناقها، ويحتم عليها البحث من جديد عن توليفة حكومية تحظى برضى خارجي ودعمه لاستباق اللحظات الأخيرة.
ثالث تلك العوامل، وهي تخصّ رئيس الحكومة المكلف الذي لم يهضم “طحشة” رئيس الجمهورية ميشال عون باتجاه مجلس الدفاع الأعلى، ليكون السلطة البديلة عن حكومة تصريف الأعمال التي يتصرف رئيسها وفق حذافير القانون، رافضاً تعويم حكومته والاقدام على أي تجاوز له حتى لو أمنت الاغلبية النيابية التي أتت به رئيساً، غطاء سياسياً كي يملأ الفراغ الحاصل. لكن الحريري الذي انكفأ في الفترة الأخيرة في بيت الوسط، غير مكترث بكل الضجيج الحاصل من حوله، وبكل المخاطر التي تحيط بالوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، أدرك أنّ الرئاسة الأولى لن تبقى مكتوفة الأيدي تتفرّج عليه وهو مستلق على وسادة ناعمة بعدما وضع التكليف في جيبه. فكان لا بدّ من تحريك المياه.
ومع ذلك يقول المقربون من الحريري إنّ لقاء يوم الأربعاء في قصر بعبدا قد يكون مفصلياً، جازمين أنّ رئيس الحكومة المكلف لم يقصد رئيس الجمهورية كي يتجنب اتهامات الرأي العام بأنّه معتكف عن دوره، لا بل لكونه جدياً في مسعاه لاخراج الحكومة من نفق التجاذبات. ويؤكدون أنّ ما يطرحه الحريري هو الصيغة الوحيدة القابلة للحياة، مشيرين إلى أنه يرفض أن يوضع تحت مقصلة الثلث المعطل.
وهذا مما يعتبره بعض المواكبين للحراك الحكومي أنّه بمثابة هروب من الاشكالات الأساسية العالقة إلى الآن، وهي: تسمية الوزراء المسيحيين، حقيبة الطاقة، وحقيبة الداخلية بعد مسارعة رئيس الحكومة الى تقديمها لرئاسة الجمهورية ومن ثم عدوله عن الفكرة.
أما بالنسبة للترشيحات الشيعية، فيلفت المقربون من الحريري إلى أنّه لدى رئيس الحكومة أسماء شيعية، وهذا لا يعني بالضرورة أنّها هي نفسها التي أبلغه اياها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن على الأكيد أنّ الحريري وبري اتفقا على آلية مشتركة لحسم الترشيحات.
بالتوازي، لا تزال اشكالية العلاقة مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عالقة، مع أنّ النائب وائل أبو فاعور حاول خلال الأيام الأخيرة ترطيب الأجواء وقد أبلغ الحريري أنّ “اللقاء الديموقراطي” لن يقف حجر عثرة أمام قيام الحكومة، وسينتظر رئيس الحكومة لينهي مشاوراته، ليبنى على الشيء مقتضاه. سبق للاشتراكيين أن قالوها أكثر من مرة، إنّهم امتنعوا عن التصويت لحكومة حسان دياب لكنهم لم يخوضوا معارضة شرسة بوجهها، افساحاً في المجال لقيامها ببعض الاصلاحات، وبالتالي قد يكرروا الأمر مع حكومة الحريري اذا ما فشلت الاتصالات بين الفريقين في الاتفاق على صيغة مشتركة تؤمن دعم الاشتراكيين في جلسة الثقة.