أخيرا، زار الرئيس المكلّف سعد الحريري قصر بعبدا، وانطلق من جديد، مسارُ التفاوض بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون لتشكيل الحكومة الضائعة في غياهب الخلافات والمحاصصات والمناكفات السياسية، منذ اشهر.
لا تعويل كبيرا على خرق يمكن ان تحمله جولة الاتصالات الجديدة هذه، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، والمرجّح هو ان تلقى مصير سابقاتها، فتدور المشاورات، دورة كاملة حول نفسها وتعود الى النقطة الصفر، إلا اذا. فبحسب المصادر، مكوّنات نجاح الطبخة الوزارية باتت متوافرة، وهي يمكن ان تنضج في اي لحظة اذا كانت النية موجودة لتسهيل التأليف… فهل هي كذلك؟
الرئيس الحريري قدّم امس، على ما تردد، تنازلا اضافيا. على ما يبدو، ارتضى الرجل التخلّي عن مبدأ المداورة. فبعد استثناء وزارة المالية منها وتركها مع الثنائي الشيعي، اقترح بحسب المعلومات على رئيس الجمهورية ابقاء التوزيعة القديمة للوزارات على حالها، أي ان وزارة الطاقة ستبقى من نصيب التيار الوطني الحر فيما تبقى الداخلية والاتصالات من حصّته هو. الرئيس المكلّف، لم يكتف بالخطوة الى الوراء هذه، بل يقال انه ايضا وضع بعض المياه في نبيذ تمسّكه باختيار الوزراء المسيحيين وتسميتهم في الحكومة العتيدة، حيث وافق على رفع عدد الوزراء الذين يختارهم رئيس الجمهورية من 6 من اصل 9 الى 7 من اصل 9، محاولا بذلك ايضا كسب ودّه واسترضاءه بعد ان اغضب الرئيس في لقائهما الاخير بإصراره على تسمية الوزراء المسيحيين…
واذا سلّمنا جدلا بأن هذه المعلومات دقيقة ، علما ان اخرى تشير الى ان التيار قد يأخذ الاتصالات ويحصل المستقبل على الطاقة، وان “الامتياز” سيسري، بطبيعة الحال، على سائر القوى السياسية ، بحيث سيختار الثنائي الشيعي والحزب الاشتراكي والمردة والطاشناق، ممثليهم في الحكومة العتيدة، بالتنسيق مع الحريري، على ان يكونوا من ذوي الاختصاص والكفاءة ومن غير الحزبيين، بما يلبّي مطلب التيار البرتقالي الاساس منذ تكليف الحريري الا وهو “وحدة المعايير”، فإن المصادر تسأل “ما العائق الذي يبقى ماثلا امام درب التشكيل”؟ هذه التنازلات التي جوّفت المبادرة الفرنسية من مضمونها، وفق المصادر، يُفترض ان تفتح الطريق نحو ولادة حكومية تبدأ تباشيرها بالظهور، في اللقاء الذي يجمع مجددا غدا عون والحريري.
لكن، وفي عود على بدء، تخشى المصادر من عقبات قديمة – جديدة، وحسابات محلية واقليمية ستمنع ولادتها، منها مثلا عدم “هضم” الفريق الرئاسي عودة الحريري الى السراي ورغبته في “تهشيله”، أو اصراره على “كسر شوكته” من خلال التمسك بثلث “ضامن” لبعبدا – التيار الوطني في الحكومة، مدعوما هنا من حزب الله الذي لن يقبل الا باعطاء رئيس التيار جبران باسيل ما يريد سيما بعد فرض عقوبات اميركية عليه.. او مثلا رغبة ايران بترك لبنان معلّقا، ورقةَ ثمينة في يدها، تُفاوض عليها الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن بعد تسلّمه مقاليد الحكم رسميا في البيت الابيض في كانون الثاني المقبل.. اما اذا كانت هذه الحسابات الضيقة – الشخصية والخارجية، غير موجودة، فالحكومة يفترض ان تبصر النور خلال ساعات، قبل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت.