كمن يغسل يديه من تبعة وقف دوران عجلات التأليف بدا الرئيس المكلف سعد الحريري في لقائه الأخير مع رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا عصر الاثنين. فالرجل لم يغير قيد أنملة موقفه المتماهي مع المبادرة الفرنسية، لجهة التمسك بأن يكون الفريق الوزاري العتيد من 18 شخصية مستقلة عن الأحزاب السياسية، وهي القواعد التي احترمها في التشكيلة التي قدمها إلى عون، في وقت يستشرف بعض المراقبين كباش صلاحيات يخوضه الحريري وحيدا، في ظل غياب رؤساء الحكومات السابقين عن المشهد الحكومي.
وفي السياق، لفتت مصادر مراقبة عبر “المركزية” إلى أن الفريق الرئاسي سارع إلى ملاقاة الحريري إلى حلبة المواجهة، فرفع شعار وحدة المعايير، في رد مبطن على ما يعتبره تنازلا ثمينا قدمه الرئيس المكلف إلى الثنائي الشيعي، الذي نجح في الاحتفاظ بوزارة المال، وبالحق في تسمية ممثليه الحكوميين.
وإذ اعترفت المصادر بأن هذه الصورة تعيد إلى الأذهان بعضا من ملامح الكباش بين الثنائي والسفير مصطفى أديب، الذي عاد وفضل الانسحاب وتفجير القنبلة السياسية في وجه الجميع. غير أن الأهم أن أديب لم يكن يناطح وحيدا المطالب الحزبية والشعبية، بل إن نادي رؤساء الحكومات السابقين، لم يتأخر في مده بجرعات الدعم الى أن عيل صبره واستسلم متخليا عن حلم حكومي.
وذكرت المصادر بأن إحجام رؤساء الحكومات عن تأييد خيار الاتيان بالرئيس حسان دياب قد يكون سببا في بعض الفشل الذي يتهم به الرجل، على اعتبار أنه كان خيار حزب الله وبري، الذي عاد وتخلى عنه بعد كارثة 4 آب، للأسباب المعروفة. في المقابل، أدى دعم هذا النادي لوقوع الخيار على اديب لتسميته، كما ساهمت البيانات العالية النبرة التي كانوا يصدرونها بشكل دوري في تعزيز موقع أديب المفاوض، تحت ستار التحذير من المس “بمقام رئاسة الحكومة”.
لكن المصادر لم تخف استغرابها إزاء صمت رؤساء الحكومات السابقين، في ظل المعركة التي يخوضها الحريري في مواجهة الثنائي بعبدا- التيار “الوطني الحر”. ذلك أن امتعاض عون من إرادة الحريري تسمية بعض الوزراء المسيحيين، وعدم نيته فتح أي قناة تواصل حكومي مع رئيس التيار النائب جبران باسيل، يترجمه بعض المعتادين على المماطلة في تشكيل الحكومات، نوعا من تكريس لأعراف معينة على حساب الصلاحيات التي نص عليها الدستور. اذ أن أحدا لا يمكن أن يحرم رئيس الحكومة المكلف من أن تكون له الكلمة الأخيرة في اختيار المستوزرين، بعد إجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة بنتائجها مع الكتل النيابية، وهي حال الحريري.
أما في ما يتعلق بابتعاد رؤساء الحكومات السابقين عن الصورة، فإن المصادر أشارت إلى أنه قد يكون عائدا إلى النجاح الذي حققوه لجهة إعادة الحريري، الممثل الأول للنبض السني في البلاد، إلى رئاسة الحكومة، مفضلين تركه “يقلع” شوكه بيده، في خضم الكباش مع عون، على اعتبار أن أحدا لن يخاطر بعد اليوم في فتح بازار الاعتذارات والاستشارات، في وقت يمارس المجتمع الدولي ضغوطا كثيفة في اتجاه تسريع الحلول في لبنان.
على أن المصادر نبهت إلى أن الاجماع على تشكيل سريع قد يقود الحريري إلى بعض التنازلات الهادفة إلى التسهيل، وهو ما قد يعتبر مسا جديدا بالصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الحكومة. من هذه الزاوية، تشدد المصادر على أهمية تصريح النائب نهاد المشنوق، الذي لا يهادن الحريري في الاعتراض على خياراته السياسية في المرحلة الأخيرة، من على منبر دار الفتوى، حيث أكد الاصرار على “الاستمرار في الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة”. فهل يتلقف رؤساء الحكومات السابقون الاشارة؟