… وكأنّ مفهوم الدولة تحوّل في ظل العهد العوني إلى “دار عجزة” لإيواء المسؤولين العاجزين عن تحمل مسؤولياتهم، والفاقدين للإدراك والقدرة على الحركة لحلّ المشاكل والتصدي للتحديات. فالسلطة في لبنان أصبحت اليوم مرادفاً لكل ما للعجز من معان وأبعاد، عنواناً يُستدلّ عليه في الفشل والشلل، بيئة حاضنة للانهيار وإجهاض الحلول ووأد فرص الإنقاذ. منظومة عقيمة امتهنت “صنعة” تقاذف التهم والتنصّل من المسؤوليات، يزاحم أركانها الناس في الشكوى والتباكي حتى يخال المواطن نفسه أمام بؤس المسؤولين ومَكرهم أنه هو المسؤول عما وصل إليه البلد. فحين يسمع اللبنانيون كلام رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب، لا يجدون سوى مزيد من “النق” في بعبدا و”النقّ” في السراي من دون أدنى طرح أو حل، لا موضعي ولا مستدام، للأزمة.
وبالأمس، على الرغم من “عجقة” الاجتماعات وكثرة التصريحات الرئاسية لم تخرج الأمور في نهاية المطاف عن دائرة المراوحة المعتادة في حلقة مفرغة من التنظير والمحاضرة بالإصلاح. فدياب “ملأ الدنيا وشغل الناس” والشاشات باستعراضات “ترشيد الدعم” ليخلص إلى “صفر نتيجة”، تاركاً فتيل القنبلة الشعبية الموقوتة مشتعلاً لتنفجر في وجه الحكومة العتيدة، بينما توقفت مصادر سياسية رفيعة عند بلوغ حالة “الانفصام العوني” أوجّها أمس، مستغربةً كيف أنّ رئيس الجمهورية الذي يحاصر التشكيلات القضائية “على رأس السطح”، هو نفسه من يحاضر في ضرورة تفعيل العمل القضائي وأهمية دور القضاء في مكافحة الفساد، وسألت: “ألهذه الدرجة بات استغباء العقول واستعداء المنطق؟”.
وفي الإطار عينه، إسترعت الانتباه هجمة إعلامية شرسة من عين التينة على عون، شنتها قناة “أن بي أن” مصوبةً على “ازدواجية الموقف” لديه، فحمّلته المسؤولية الأولى عن “خنق الأوكسجين عن الحياة القضائية والوطنية”، واتهمته بـ”تمييع عملية التشكيل الحكومية والمماطلة لتحقيق مكاسب ضيقة”، وصولاً إلى الكشف عن “استياء فرنسي كبير من رئيس الجمهورية لتعطيله التشكيل، لا سيما وأنّ الرئيس المكلف سعد الحريري قدم كل التسهيلات الممكنة لتبصر الحكومة العتيدة النور”.