كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
في اليوم العالمي لمكافحة الفساد لا يملك لبنان ما يقوله وقد صار دولة متقدمة على طريق الفساد وتنامي طبقة الفاسدين العصية على المحاسبة بفعل الحماية السياسية. في اليوم العالمي لمكافحة الفساد تضج السجون بصغار الفاسدين والمرتشين، فيما الفاسدون الكبار يواصلون حياتهم يتمتعون بما سرقوه وصادروه من اموال للفقراء. في اليوم العالمي لمكافحة الفساد تاهت الملفات الدسمة في زواريب السياسة والكيدية، فضاع المرتكب والجاني ووضع القضاء في قفص الاتهام على تقصيره. أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟
بعد قطيعة زار مجلس القضاء الاعلى برئاسة القاضي سهيل عبود قصر بعبدا امس الاول تلبية لدعوة رئيس الجمهورية ميشال عون. على عكس المتوقع لم تحتل التشكيلات القضائية صدارة البحث ولا ملفات الفساد، الملفان لم يطرحا للبحث وبقي سبب الزيارة عصياً على الضيف والمضيف معاً، ما خلف تفسيرات بالجملة عن المقصود من استقبال مجلس القضاء الاعلى في عز الازمة السياسية المستفحلة، على خلفية ملفات الفساد التي تتدحرج تباعاً والتي يندرج معظمها تحت عنوان الكيدية السياسية. وهل المطلوب الايحاء بإنهاء القطيعة مع مجلس القضاء بالتوازي مع الضجة السياسية المثارة حول الملفات التي تثار عن متهمين بقضايا الفساد، لجعله طرفاً في المعركة السياسية بعنوان قضائي؟
عن قصد او عن غير قصد ثمة اساءة واضحة من السلطة تجاه القضاء ومحاولة استخدامه، من خلال ضخ هذا الكم من الملفات التي لا يركن بمعظمها الى أسس وتهم واضحة، يمكن ان تؤدي الى نتائج ملموسة وواضحة بناء على القانون، أقله هذا رأي بعض القضاة ممن تسنى لهم الاطلاع على عدد من الملفات المحالة امامهم.
بدأت كبرى المعضلات بالامتناع عن اقرار التشكيلات القضائية، واستمرار طبقة القضاة ذاتها التي افرزتها تشكيلات العام 2017، والتي كانت عبارة عن محاصصة سياسية بين زعماء الطوائف. عوّل رئيس مجلس القضاء الاعلى على التشكيلات التي أعدها واعتبرها بداية حسنة لمسيرته الاصلاحية. لكن الوقائع خالفته، فكانت النتيجة جسماً قضائياً يشغله في غالبية قطاعاته قضاة بالانابة، واهمال وغياب المحاسبة والعمل بمشقة. واقع لا يعفي الجسم القضائي من الاتهام بالتقصير والتماهي مع الطبقة السياسية. أقله هذا في الظاهر. وكيف لعاقل أن يصدق ان هذا المنسوب من الفساد وهدر الاموال والتسيب في الادارات، لا يشكل حجة لتدخل القضاء حماية للمصلحة الوطنية؟ وكيف لا يبلغ ملف واحد نهايته المفترضة فيساق المقصرون الى المحاكمة؟ ولا يستثنى من الادانة هنا مجلس القضاء الاعلى الذي لم يخرج عن صمته محتجاً أو معترضاً.
لكن مقاربة الامر قضائياً لا تسير على هذا النحو، ومع تسليم مصدر قضائي بمسؤولية القضاء لكن الجسم القضائي ليس سليماً وقد اصابه تأخير التشكيلات بمقتل، وساهم في استمرار الطبقة المرتهنة سياسياً في سدة المسؤولية. فمن خارج صلاحياته، وضمن امكانياته يتابع مجلس القضاء الاعلى ملفات الفساد التي تثار عبر وسائل الاعلام. معظمها صار قيد المتابعة. البعض من هذه الملفات سبق وأحيل الى القضاء والمشكلة انها قانوناً لا تستوفي كافة المعطيات الواجب توافرها. ومن خارج صلاحياته ايضاً، أرسل مجلس القضاء طالباً من النيابات العامة والقضاة ممن يتابعون ملفات هدر وفساد تزويده بنشرة دورية عن سير ملفات الفساد التي بحوزتهم. مع الاشارة الى ان ملاحقة ملفات الفساد لا تدخل حيز صلاحيات مجلس القضاء وانما النيابات العامة.
يسود لدى القضاء انطباع ان الدولة تحاول رمي فشلها على القضاء باحالتها ملفات بينها العشوائي وغير المدروس. عشرات الملفات المحالة سلكت طريقها الى التحقيق واخرى بانتظار استكمال معطياتها. ما قد يستدعي موقفاً متوقعاً من رئيس مجلس القضاء الاعلى لان استمرار الوضع على ما هو عليه قد يودي بالبلد الى الهاوية.
وفوق هذا تحال الملفات اليه وتثار حولها ضجة في الاعلام ويتحول المتهمون مدعى عليهم من دون ان يخضعوا للتحقيق. ما شهدناه في وزارة المهجرين سابقة كان يجب التوقف عندها للمحاسبة، كيف ان هيئة قضايا لم يسبق لها ان حركت ساكناً سابقاً وهي تابعة للدولة ان تدعي على موظف متوف؟ في ملف قائد الجيش والضباط هل سبق وتم الاستماع الى افادتهم كي يتم الادعاء عليهم؟ ينذر التأزم والتراشق الاعلامي في الملفات والاتهامات بانفجار كبير، خصوصاً مع ادخال القضاء طرفاً في المعركة السياسية.
عندما تذكر القضاة بواقعة القاضي الايطالي الذي نال من الطبقة الفاسدة في بلاده يكون الجواب ان الحصانات السياسية الممنوحة لبعض القضاة تعزز الانتقائية في المحاسبة، لاسيما وان بعض القضاة، وبفعل الحماية السياسية، يرتكبون مغالطات قانونية في الاستدعاءات وملفات التحقيق والتوقيفات التي تمدد احياناً خلافاً للقانون. دون ان يفوته رد السؤال الى الطبقة السياسية ذاتها فهل يمكن ان تضحي ولو بمرتكب واحد ليكون كبش فداء امام الرأي العام؟