كتبت صحيفة “نداء الوطن”:
لا يكاد يمرّ يوم إلا ويسطّر فيه رئيس الجمهورية ميشال عون تغريدة “ملحمية”، تارةً تحاكي “استقلالية القضاء ومكافحة الفساد”، وطوراً تتحدث عن”الإصلاح واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية” والمساواة بين الفرد والآخر “أياً كان انتماؤه الديني أو السياسي”… أما على أرض الواقع فلا يكاد يمرّ يوم على اللبنانيين من دون تلمّس لمس اليد في يومياتهم مدى تدهور المؤشرات الحيوية على مختلف هذه الأصعدة في ظل العهد العوني، حيث استقلالية التشكيلات القضائية محتجزة في أدراج قصر بعبدا، والفساد بلغ مستويات قياسية، وحقوق اللبنانيين وكرامتهم الإنسانية مهدورة، وحكومة المهمة الإصلاحية أسيرة معيار “الانتماء الديني والسياسي” الذي يشترطه رئيس الجمهورية لتوزيع الحقائب الوزارية، من زاوية ما وضعته مصادر بعبدا أمس، في معرض تبريرها تصدي رئيس الجمهورية لتشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيلة مضادة، في خانة إحقاق “التوازن السياسي والطائفي” في الحكومة.
ووسط هذا الظلام الحالك المهيمن على مصائر اللبنانيين، لاحت أمس بارقة عدل أمام أعينهم عبر خطوة قضائية شجاعة تنقل ملف التحقيقات في تفجير المرفأ إلى مستويات أعلى على سلّم المسؤوليات وهرمية السلطة، لتطال رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانونس، بعدما ادعى عليهم المحقق العدلي في القضية القاضي فادي صوان، بجرم “الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة” بالإضافة إلى ادعائه على مدير أمن الدولة اللواء طوني صليبا. وسرعان ما تلطّى دياب خلف حصن السراي الكبير في مواجهة الادعاء عليه معلناً رفضه المثول أمام القضاء، لكنّ مصادر قضائية أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ تمنّع دياب لن ينزع عنه صفة “المطلوب الاستماع إليه أمام العدالة بصفته مدّعى عليه ولو بعد حين”. أما عون الذي أكد على الملأ بأنه “كان يعلم” بوجود شحنة النيترات في العنبر رقم 12 وأقرّ بأنه اطلع على التقارير التي تحذر من خطورة تخزينها في المرفأ، فحسابات مقاضاته مختلفة “بحكم موقعه في سدة رئاسة الجمهورية، نظراً إلى كونه يخضع بكل أفعاله إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والقرار بمحاكمته يحتاج إلى قرار من أكثرية مجلس النواب”، وبالتالي هذا الأمر غير متاح راهناً لكون تكتّله النيابي يشكّل جزءاً أساسياً من أكثرية 8 آذار النيابية.
وفي حين بدأت معالم اشتباك سياسي – قضائي ترتسم في الأفق، استنفرت قوى 8 آذار ضد قرار المحقق العدلي على وقع إثارة مصادرها شبهات حول “خلفيات ادعائه على جهة سياسية محددة دون سواها، وانتقائه أسماء دون غيرها من الأسماء التي كان قد أدرجها ضمن كتابه إلى مجلس النواب”. بينما لم يتأخر مجلس القضاء الأعلى في إصدار بيان إسناد للقاضي صوان يتبنى قراره ويؤكد احترام تحقيقاته الأصول القانونية، مع تأكيد عزمه “مواظبة القيام بعمله وواجبه بالسرعة الممكنة بهدف تحديد المسؤوليات بحقّ المرتكبين”. كما سارع نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف إلى تبديد محاولات التشكيك بقانونية الادعاء على وزيرين سابقين من المحامين من دون إذن من النقابة، عبر إصداره بياناً يثني فيه على قرار المحقق العدلي رافضاً منح “حصانات دستورية وقانونية وسياسية لأحد”، في سبيل إحقاق العدالة في جريمة المرفأ، ودعاه إلى “المضي قدماً بالادعاء على سائر من أظهرتهم التحقيقات الاستنطاقية أيّاً كانت مواقعهم في هذه الجريمة الكبرى”.
وعن الآلية المتبعة بعد رفض دياب استقبال المحقق العدلي الاثنين المقبل في السراي الحكومي للاستماع إلى إفادته، أوضحت المصادر أنه “في حال حالت الحصانات السياسية دون استكمال المحقق العدلي تحقيقاته مع المدعى عليهم، فله أن يقرر إما إصدار مذكرات توقيف بحقهم، أو أن يستكمل ملف التحقيق والادعاءات ليعمد بعدها إلى ختمه وإحالته على مجلس النواب طالباً منه تحمل مسؤولياته إزاء القضية، ربطاً بكون الجرم المدعى فيه على رئيس حكومة ووزراء سابقين مقروناً بشبهة الإهمال الوظيفي والتقصير والإخلال بالواجب أثناء أداء مسؤولية عامة، ما يجعل الملاحقة تالياً من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، لافتةً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ “عدم تعاطي المجلس بجدية مع كتاب المحقق العدلي والمستندات المرفقة هو ما دفعه إلى تحمل مسؤوليته القضائية وتسطير الادعاءات بموجب صلاحياته، وبالاستناد إلى ما تبيّن له من التحقيقات الاستنطاقية التي أكدت وجود شبهات جدّية تتعلق بمسؤولية المدعى عليهم، لناحية ثبوت عدم قيامهم بالإجراءات الواجبة إثر تلقيهم مراسلات خطية تحذرهم من الخطر الذي نتج عنه انفجار المرفأ”.