كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
لم تعد العملة الوطنية عملة صالحة في التعامل مع شركات التأمين. إن لم يكن للمضمون من خيار سوى الدفع بالليرة، فعليه ألا ينتظر في المقابل تعويضاً يفوق الفتات.
أكثر من سنة على انفجار الأزمة النقدية، وقطاع التأمين ما زال خارج أي تنظيم. الدولة استقالت من وظيفتها وتركت لشركات التأمين تطبيق ما تراه مناسباً في علاقتها التعاقدية مع المضمونين. فلم يطبق سعر موحد على استيفاء البوالص بالدولار. ولم يحدد معيار واضح لكيفية التعويض عن الأضرار. باختصار، ان طريقة التعويض على نفس البوليصة بالشكل والقيمة أصبحت تأخذ ثلاثة أشكال: التعويض يكون بالدولار النقدي في حال سدد المضمون أقساط بوالصه بالدولار. ويكون التعويض على أساس 3900 ليرة في حال دفع المضمون شيكاً مصرفياً أو حوالة داخلية بالدولار. أما في حال سدد المضمون أقساطه بالليرة على أساس سعر صرف 1515 فإن التعويض عليه سيكون بالطريقة نفسها.
التأمين بـ “الأعراف”
“لغاية الآن ما زالت أغلبية الشركات تتقاضى ثمن البوالص على الحوادث والممتلكات وبقية الأضرار بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1500، وتعوض بالقيمة نفسها”، يقول الاستشاري في قطاع التأمين سليمان حبيقة. “أمّا بالنسبة إلى التأمين على السيارات فإن معظم الشركات لجأت إلى طريقة مغايرة في حال كان الدفع بالليرة. إذ إنها تعمد إلى رفع قيمة تخمين السيارة. فبدلاً من ان تخمّن قيمة السيارة بـ10 آلاف دولار مثلاً، تخمّنها بـ20 ألفاً. وبهذه الطريقة لا يواجه المضمون مشاكل في إصلاح الأضرار الناتجة عن الحوادث الصغيرة. أما في حال الضرر الكامل total loss، فإن التعويض يكون بالليرة على أساس قيمة التخمين”. وهذه الطريقة ستتحول برأي حبيقة إلى “عرف ان لم نقل قاعدة”.
منذ فترة طويلة تطالب شركات التأمين وزارة الاقتصاد والتجارة باعتماد سعر 3900 ليرة مقابل الدولار في تعاملاتها. وهذا ما سيكون في رأي حبيقة “حلاً للشركات الضامنة والمضمونين. وخصوصاً في قطاعي تأمين السيارات والاستشفاء”. ففي الشق الأول يسمح تعويض الشركات عن الحوادث باللولار (الدفع بواسطة شيك مصرفي بالدولار) للمضمون، بالتوجه إلى ورش التصليح ومحلات قطع الغيار التي تقبل تقاضي الشيك. وفي الوقت نفسه فإن هذا السعر سيكون منصفاً أكثر لورش التصليح حيث يصبح في إمكانها تقاضي الفاتورة على أساس 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة. أما في الاستشفاء فقد توصلت شركات التأمين والمستشفيات، بحسب حبيقة، إلى اتفاق يقضي بتسديد الشركات 30% من قيمة الفاتورة بالشيك بعدما كانت تطالب المستشفيات بـ50%. وللغاية تعمد شركات التأمين إلى الزام المضمونين تسديد 30% من بوالص الاستشفاء على أساس 3900 ليرة و70% على أساس 1500 ليرة.
إعادة هيكلة القطاع
يشير العديد من وكلاء شركات التأمين إلى ان قسماً كبيراً من المضمونين الذين يسددون أقساطهم بالليرة لم يجدّدوا بوالصهم هذا العام، وتحديداً في مجال التأمين على الحياة وبرامج الادخار. “فالمبالغ التي يدفعونها اليوم قد لا تشتري لهم “علكة” بعد عشرين سنة في حال كان التعويض بالليرة اللبنانية”، على حد وصف أحد الوكلاء. في المقابل يسجل الوكلاء هجمة على سحب المبالغ المدفوعة لخوف المضمونين من فقدانها قيمتها مع كل يوم يمر أولاً، وثانياً لحاجتهم للسيولة في ظل انهيار القدرة الشرائية وارتفاع معدلات الصرف من العمل، ووصول نسبة البطالة بين الشباب إلى أكثر من 40 في المئة”.
الخيارات التي يلجأ اليها المضمونون ترتبط بالظروف الخاصة التي يمر بها الأشخاص. وفي رأي حبيقة فإن القطاع يشهد تغييرات أفقية وعمودية. فالقسم الأكبر من المضمونين لجأ إلى تعديل بوليصة تأمينه لتتناسب مع تغير وضعه. فمن كان يملك تأميناً صحياً درجة أولى خفضه إلى الثانية أو الثالثة. ومن كان يملك تأميناً درجة ثالثة لجأ إلى اختيار شبكة المستشفيات المحددة، بدلاً من امكانية اختيار كل المستشفيات”. كذلك الأمر في ما خص التأمين على السيارات فمن كان يؤمن ضد كل المخاطر، خفض تأمينه إلى ضد الغير فقط. وفي ما خص الشركات فإنه من المتوقع ألا يؤثّر هذا الواقع على حجم أعمال شركات التأمين بسبب رفعها للأسعار إنما على حجم الشركات وقدرتها على الاستمرار. وبحسب حبيقة فإن “العدد النهائي الذي سيتبقى من شركات التأمين ما زال ينتظر مراسيم الدمج بين الشركات”. وفي رأيه فإن “السوق لا يتحمل وجود أكثر من 20 شركة في المستقبل. خصوصاً إذا ما قارنّاه بأسواق الدول المجاورة وأسواق دول الخليج العربي. فانفجار المرفأ على سبيل المثال خلق ارباكاً عند كل شركات التأمين لأن معظمها لديه معيد التأمين نفسه بسبب صغر حجم السوق، الأمر الذي خلق حالة من الضياع في القطاع”.
المؤسف انه في ظل هذه “المعمعة”، تبقى قدرة العمل والمراقبة لـ”لجنة مراقبة هيئات الضمان” ضعيفة، فهي “بحاجة إلى تعديل العديد من القوانين والتشريعات”. والكثير من القرارات التي تتخذها تصب في مصلحة الشركات وليس المضمونين. فبعد الأخذ والرد لمدة 3 أشهر مع شركات التأمين لإجبارها على تغطية مصابي كوفيد-19، عمدت الشركات إلى رفع اسعارها بنسبة وصلت إلى 30% بحجة زيادة التغطية، وغطت من جهة ثانية على رفع أسعار “الصناديق الضامنة الخاصة” التابعة لوزارة الزراعة وليس الاقتصاد. والتي سيكون لها بحث مفصّل في تقارير لاحقة.