رغم الخطوةِ النوعيةِ التي أقدم عليها المحقّق العدلي في قضية الانفجار الهيروشيمي الذي وقع في مرفأ بيروت (في 4 أغسطس الماضي) القاضي فادي صوان، أمس، بالادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء (مال وأشغال) سابقين بتهمة «الاهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص»، فإن «الصدمةَ الأولى» التي تلتْ هذا التطوّرَ المفاجئ أوحتْ بأكثر من «لغمٍ» دستوري وسياسي سيكمن له ويُخشى أن يتداخلَ مع الأزمات المتشابكة التي تقبض على لبنان، الذي يسابِق «الانهيارَ الشاملَ»، ويختزلها ملف تأليف الحكومة الجديدة الذي مازال «يُلاطِمُ» تعقيدات داخليةً تشكّل واجهةً للعصْف الإقليمي الذي صارت البلاد في مهبّه.
فلم يكد يُكشف أن صوان ادّعى على دياب والوزير السابق للمال علي حسن خليل والوزيرين السابقين للأشغال غازي زعيتر ويوسف فنيانوس «بعد التثبت من تلقيهم مراسلات خطية عدة تحذّرهم من المماطلة في إبقاء نيترات الأمونيوم في حرم مرفأ بيروت، وعدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتَلافي الانفجار المدمّر وأضرارِه الهائلة»، حتى عاجَلَه دياب بما يشبه «البطاقة الحمراء» التي انطوت على أبعاد ما فوق دستورية بلغت حدّ اعتبار هذا الإجراء «استهدافاً لموقع رئاسة الحكومة لن أسمح به من أي جهة»، مؤكداً أنه «مرتاح الضمير وواثق من نظافة كفه وتعامُله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت».
وذهب دياب أبعد في بيانٍ صدر عن مكتبه، كاشفاً ضمناً أنه سيمتنع عن استقبال صوان في السرايا الاثنين لاستجوابه، وموضحاً أن المحقّق العدلي تبلّغ الجواب وأنه (اي دياب) «رجل مؤسسات ويحترم القانون ويلتزم الدستور الذي خرقه صوان وتجاوَزَ مجلس النواب، وأن الرئيس دياب قال ما عنده في هذا الملف ونقطة على السطر».
وفيما حدّد صوان الثلاثاء والأربعاء، للاستماع إلى الوزراء الثلاثة السابقين، لم تتأخّر الإشكاليات الدستورية – القانونية كما السياسية في البروز وفق الآتي: * تظهير صوان في بيان صدر «تحت مظلّة» المجلس الأعلى للقضاء حيثيات قراره مذكّراً بأنه «سبق أن أرسل كتاباً مرفقاً بمستندات، إلى البرلمان بتاريخ 24/ 11/ 2020، اعتبر فيه أنه يتبيّن من التحقيقات الاستنطاقية التي قام بها، وجود شبهات جدّية تتعلق ببعض المسؤولين الحكوميّين، وذلك افساحاً في المجال أمام المجلس، لممارسة ما يعود له من صلاحيات بهذا الشأن، مع احتفاظه – أي المحقق العدلي – بممارسة ما يعود له من صلاحياتٍ في الموضوع عينه.
وتمّ الجواب من هيئة مكتب مجلس النواب، بما مفاده عدم إيجاد أي شبهة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم فيه، وأن المجلس ملزم بتطبيق القانون الرقم 13/ 90 المتعلق بأصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى (لمحاكمة الرؤساء والوزراء)».
وكشف صوان أنه «قرّر استجواب أشخاص عدّة بصفة مدعى عليهم من بينهم، رئيس حكومة، ووزراء، وأحد رؤساء الأجهزة الأمنية، ووكيلٍ بحري. كما قرّر الاستماع الى أحد المسؤولين العسكريين السابقين بصفة شاهد».
وعَكَس كلام المحقق العدلي جانباً من الالتباسات التي تحوط بالمسار القضائي لـ«بيروتشيما» في ظل التباين حول إذا كانت الإجراءات بحق دياب والوزراء الثلاثة، وربما آخَرون سيلحقون بهم، هي من صلاحيات القضاء العدلي أو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء، وسط أسئلةٍ حول إذا كان ادعاء صوان يعني أنه حَسَمَ أنّ جرائم الإهمال والتقصير هي من الجرائم العادية وليس الوظيفية، وهل سينتهي هذا الادعاء، كما في حالاتٍ سابقة إلى «تنويمه» عبر دفوعٍ شكلية «بعدم الاختصاص» توقِف هذا المسار عملياً، باعتبار أن آلية اتهام رؤساء ووزراء حاليين وسابقين تمرّ بخطوات بالغة التعقيد تبدأ من الحاجة الى موافقة ثلثي البرلمان قبل انطلاق الإجراءات أمام «المجلس الأعلى» غير المكتمل أساساً.
* المناخات المحتقنة سياسياً التي برزت سريعاً بعد خطوة صوان والتي عبّر عنها بعد «عصيان» دياب، الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي في تغريدة أعلن فيها أنه «لا تستقيم العدالة بمكيالين، ومن حق ذوي ضحايا تفجير المرفأ معرفة الحقيقة ومحاسبة الضالعين في الجريمة.
فكيف يمكن اعتماد الانتقائية في الملاحقة واغفال ما قاله رئيس الجمهورية (ميشال عون) من أنه قرأ التقارير التي تحذر من وجود مواد خطرة بالمرفأ»، مؤكداً «الحق كلٌ لا يتجزأ وليس استهداف أشخاص بعيْنهم افتراءً».
وفيما شكّل موقف ميقاتي مؤشراً إلى التشظيات الواسعة التي أحْدثها الادعاء المفاجئ والمرشّح لفصول جديدة، فإن العيون شخصت على ردّ فعل رئيس البرلمان نبيه بري (خليل وزعيتر من فريقه ونائبان حاليان في كتلته) الذي كان قابَلَ رسالةَ المحقق العدلي إلى مجلس النواب بما يشبه الغضب الذي جاهر به، وسط خشيةٍ أبدتْها أوساط مطلعة من أن ينزلق الملف انفجار المرفأ الذي ذهب ضحيته أكثر من 203 أشخاص وجُرح أكثر من 6500 إضافة إلى تدمير نصف العاصمة وتهجير مئات الآلاف من أبنائها إلى كباشٍ تحت «العيون الحمراء» الدولية التي كرّست في الأيام الماضية، ابتداءً من مؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني الذي استضافته باريس ثم في بيان الاتحاد الأوروبي حول الأزمة اللبنانية كما في مواقف مسؤولين أمميين الترابُط بين أي دعْم مالي لبلاد الأرز وبين كشف الحقيقة والمحاسبة عن جريمة المرفأ بوصْف هذا الأمر بأهمية الإصلاحات الشَرْطية التي يتعيّن على حكومة المهمة القيام بها.