كتب مازن خطاب في “اللواء”:
هرطقة دستوريّة جديدة يُقدم عليها العهد المتهالك فيما البلد ينتظر تأليف حكومة إنقاذية مصيرية في أسرع وقت. فقد أعلنت رئاسة الجمهوريّة في بيانها أنّ «الرئيس عون استقبل الرئيس المكلف سعد الحريري الذي قدّم له تشكيلة حكومية كاملة، في المقابل سلّم الرئيس عون الحريري طرحاً حكومياً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب على اساس مبادئ واضحة، واتفق الرئيس عون مع الحريري على دراسة الاقتراحات المقدمة ومتابعة التشاور لمعالجة الفروقات بين هذه الطروحات».
ويبدو أنّ الرئيس عون الذي اعتاد أن يُخالف الدستور مصممٌ على الاستمرار في التّعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة تحت راية «استعادة حقوق المسيحيّين» الموارنة التي سلبتهم ايّاها السُنّية السياسيّة كما يزعم.
وأفادت المعلومات المتناقلة بأنّ أجواء تأليف الحكومة إيجابية جداً وقد تُبصر النور قريباً، الّا انّ ما حصل في بعبدا بالأمس لا يوحي أبداً بالنوايا الإيجابية. وبعد أن قدّم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة حكومة كاملة من ١٨ اسماً بتوزيع الحقائب على الطوائف والقوى، سارع الرئيس عون الى تقديم طرح حكومي متكامل يتضمن توزيع الحقائب والوزارات على الطوائف، لكن من دون أسماء. ويبدو أن اللقاء بين الرئيسين عون والحريري أخذ طابع تسجيل النقاط والتشفّي.
ولكن الأخطر في الأمر هو جواب عون على الحريري من خلال طرحه الحكومي الذي يعد التفافاً وتجاوزاً للأصول الدستوريّة. فقد حصر الدستور بموجب المادة ٦٤ منه صلاحيّة اجراء المشاورات مع أعضاء مجلس النّواب بالرئيس المُكلّف، علماً أنّ المشاورات التي يجريها في العادة لا يصفها الدستور بالملزمة بنتائجها له، ما يعني أنّ مرجع التأليف يبقى الرئيس المكلّف وليس النّواب الذين قام باستشارتهم طالما سيعود إليهم في الحكومة طلباً للثقة.
والأهمّ أنّ ذلك يعني انتفاء أيّ دور مُقرِّر لرئيس الجمهورية في عمليّة التشكيل الى حين تسلّمِه مسوّدة التشكيلة الحكومية الجديدة من الرئيس المُكلّف، فيوافق عليها أو يطلب تعديلها أو يرفضها كلّياً بحسب توافق تلك التشكيلة مع المقتضيات الدستورية، خصوصاً لجهة ما تنصّ عليه مقدمة الدستور والمادة ٩٥ منه، سواء لجهة توازن التشكيلة الحكومية بين الطوائف والمناطق ومكوناتها السياسية أو لجهة مراعاتها لميثاق العيش المشترك.
ومن المتوقّع دوماً أن يُمارس رئيس الجمهوريّة، وحلفاؤه من خلفه، الضغوط والتلويح بعدم توقيع مراسيم الحكومة إذا لم تتوافق التشكيلة مع تطلعاته في التمثيل داخل الحكومة لأنّه اعتاد على السّير ببدعة أن يكون له حصّة وزارية وأن تكون له اليد الطّولى في وضع سياسة الحكومة من خارج الأطر الدستوريّة.
إنّ الرئيس المُكلّف مُطالب بالتمسّك بصلاحياته كاملة لجهة تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن تحت سقف القواعد المنصوص عنها في الدستور وبحسب تطلعات اللبنانيين. وعليه التصرف سريعاً لوقف وتيرة الاحباط السُنّي الواقع في دوّامة التنازل والتذاكي والجّشع السياسي والابتزاز، ما أدّى الى إفقاد السُنّة في لبنان دورهم وقدرتهم على الفاعلية السياسية والديناميكية التي اتصفوا بها عبر التاريخ.