كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
انقضت أشهرٌ أربعة على تولّي القاضي فادي صوّان دور المحقق العدلي في تفجير المرفأ. لم يُقدّم إضافةً جديدة على التحقيق الذي أُجري في وسائل الإعلام. يسير على هدي الإعلام في اتّهاماته. يحاول ما استطاع إرضاء الرأي العام. ورغم أنّه لم يكشف جديداً في التحقيقات، إلا أنّ صوّان قرّر أن يرفع سقف الادّعاء ليحصد تصفيقاً أكبر لحماية نفسه من الهجوم على أدائه المهزوز، ولو كان ذلك على حساب المظلومين من الضعفاء الذين لا سند سياسياً لهم.
يوم أمس، طلب صوّان الاستماع إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير المال السابق علي حسن خليل ووزيرَي الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر كمدعىً عليهم، إضافة إلى المدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا، الذي استجوبه على مدى 3 ساعات كمدعى عليه أيضاً. يرى كثيرون، من حقوقيين وسياسيين ومواطنين، أن المحقق فعل الصواب بادعائه على أربعة مسؤولين سياسيين ومسؤول أمني. لكن ماذا عن الآخرين؟ لم يُفهم لماذا اختار صوّان رئيس حكومة حالياً و3 وزراء سابقين. إن كان رئيس الحكومة الحالي مرتكباً أو مهملاً أو مُقصّراً، فإنّ ذلك يعني حُكماً أنّ وزراء في حكومته سيكونون مرتكبين ومقصّرين أيضاً. وإذا كانت المسؤولية تقع على عاتق الوزراء السابقين، فلماذا استثنى رؤساء الحكومات السابقين؟
الثابت بما لا يرقى إليه الشكّ أنّ المحقق العدلي الخائف استضعف حسّان دياب ليستجوبه كمدعى عليه. صوّان الذي لم يجرؤ سابقاً على رفض طلب «وزير عدل القصر» سليم جريصاتي بسحب ملف جريمة قبرشمون منه، لجأ حينذاك إلى الشكوى لزملائه القضاة بأنّه أُكرِه على التخلّي عن الملف! صوّان نفسه ارتعدت فرائصه أمام «هجمة» إعلامي كشف فيها عن قرار موافقته على طلب نقل المدير العام للجمارك بدري ضاهر إلى سجن يتبع للجمارك، فسارع إلى التراجع وإصدار قرار معاكس.
يسعى صوان وراء «السبق»/ «القطفة» إعلامياً ليحمي نفسه، ليس عبر تحقيق العدالة إنما عبر إيجاد كبش فداء. المحقق العدلي الذي يهاب الإعلام قرر توقيف أشخاص لا ذنب لهم ليظهر أمام الملأ بمنظر القوي، لكن تداعيات الظلم الذي يرتكبه انقلبت عليه. لقد استضعف صوّان 3 ضبّاط من دون أن يجرؤ على المساس برؤسائهم. فإن كان الضابط جوزيف الندّاف يستحق السجن، فإن مقتضى العدالة أن يُسجن رئيسه اللواء طوني صليبا. وإن كان ضابطاً الأمن العام شربل فواز وداوود فيّاض مقصّرَين، فإنّ الأَولى مساءلة مديرهم العام اللواء عباس إبراهيم. والظلم على ضابطَي الأمن العام المسجونَين واضح. لا صلاحية للأمن العام بمحتويات العنابر في المرفأ، ولا بحركة البضائع. عملها محصور في حركة الأفراد دخولاً إلى لبنان وخروجاً منه. كما أنّ الضابطين الموقوفين أديا واجبهما على أكمل وجه بتحرير أكثر من ثلاثين مراسلة بخصوص قضية نيرتات الأمونيوم.
لماذا لم يستدع صوّان قائد الجيش السابق جان قهوجي؟ وماذا عن رئيس الأركان السابق وليد سلمان الذي وقّع بالإنابة عن قهوجي مقترحاً عرض نيترات الأمونيوم على شركة الشمّاس علّها تشتري البضاعة المحتجزة في المرفأ؟ فضيحة غير مسبوقة بتوقيع قيادة الجيش. أوَليست المسؤولية موصولة لكونها متمادية؟ لماذا لم يُستدعَ قائد الجيش الحالي جوزيف عون لسؤاله عن عدم التحرّك لإزالة النيترات من المرفأ بعد تقرير أمن الدولة؟ أوَليس واجب قيادة الجيش تولّي التحقيق في قضية من هذا الحجم؟ ماذا عن القضاء؟ لماذا تجاهل أن أطنان نيترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ يوم 4 آب، لم تُنقل من الباخرة إلى العنبر الرقم 12، قبل ست سنوات، إلا بأمر قاضٍ لم يتّخذ قرار إتلافها ولا بإعادة تصديرها؟ لماذا لم يتحرّك صوان في وجه قضاة هيئة القضايا التي لم تُكلّف نفسها الإجابة على عدد من المراسلات في هذا الملف الخطير؟
حدّد صوّان نهار الاثنين المقبل موعداً لاستجواب رئيس الحكومة الحالي والوزراء الثلاثة السابقين كمدعى عليهم في قضية انفجار مرفأ بيروت، وذلك بعدما استمع الى المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا في مسألة تأخر جهاز أمن الدولة في إجراء التحقيق الأولي في وجود مادة النيترات داخل العنبر الرقم 12 بمرفأ بيروت. كما سأله عن الجهات التي أبلغها صليبا بمضمون تقريره. ورغم أنّ المصادر القضائية تؤكد أنّ صوّان لم يسمح لصليبا بالجلوس لنحو ثلاث ساعات، إلا أنّ النيتجة كانت خروج المدير العام لأمن الدولة حرّاً، والإبقاء على ضابط أدنى رتبة منه موقوفاً للشهر الرابع على التوالي.
تجدر الإشارة إلى أنّه عقب قرار القاضي صوان صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال بيان قال فيه إنه «مرتاح الضمير وواثق من نظافة كفّه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار المرفأ. ويستغرب هذا الاستهداف الذي يتجاوز الشخص إلى الموقع، وحسان دياب لن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت». وأضاف البيان أن المحقق العدلي تبلّغ جواب دياب على طلب الاستماع إلى إفادته مؤكداً أنه «رجل مؤسسات ويحترم القانون ويلتزم الدستور الذي خرقه صوان وتجاوز مجلس النواب». وختم بيان دياب بالقول بأنه قال ما عنده في هذا الملف ونقطة على السطر. كما غرّد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي: «لا تستقيم العدالة بمكيالين وحق ذوي ضحايا تفجير المرفأ معرفة الحقيقة ومحاسبة الضالعين في الجريمة. فكيف يمكن اعتماد الانتقائية في الملاحقة وإغفال ما قاله رئيس الجمهورية من أنه قرأ التقارير التي تحذر من وجود مواد خطرة بالمرفأ. الحق كلٌّ لا يتجزأ وليس استهداف أشخاص بعينهم افتراء».
ومن المتوقع أن يثير قرار صوان الادعاء على دياب والوزراء السابقين الكثير من الغبار السياسي والقضائي. وبصرف النظر عن التسييس وسوء أداء المحقق العدلي، يبقى أن في قرار القاضي صوان أمس إيجابية كبرى يُبنى عليها مستقبلاً، وهي تثبيت حق القضاء، مرة جديدة، في ملاحقة رؤساء حكومات ووزراء، رغم الحصانة التي يجري التذرّع بها للإفلات من العقاب.