هل ما زال مُمْكِناً الفصلُ بين مساريْ تشكيل الحكومة والتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، أم أن «الإعصارَ» السياسي – الدستوري – الطائفي الذي أعقبتْ الادعاءَ على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب و3 وزراء سابقين، ستزيد من أشواك عملية التأليف التي كانت أساساً في ما يشبه «سباق الحواجز» المفتوح على أفخاخِ الداخل وعواصف المنطقة؟
سؤالٌ بدا بدهياً في بيروت، بعدما جاء توقيت ادعاء المحقق العدلي في «بيروتشيما» القاضي فادي صوان على دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، غداة المنعطفِ البالغِ السلبية الذي دَخَلَه ملف تأليف الحكومة على وقع انفجارِ «حربِ صلاحياتٍ» نصف مكتومة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، الذي أنجز مهمة تقديم تشكيلةٍ كاملةٍ بالأسماء والحقائب بمواصفاتِ المبادرة الفرنسية، ردّ عليها عون بسابقةٍ دستورية تمثّلت بطرْحٍ حكومي متكاملٍ اعتبر خصومه أنه بمواصفاتِ رغبةِ فريق العهد بأن يكون له الثلث المعطّل في حكومةٍ مرشّحة لأن تعمّر لِما بعد انتهاء ولاية عون.
وأتى كلام الحريري بعد زيارةِ رفْضِ المساس بموقع رئاسة الحكومة التي قام بها لدياب، ليُعْطي أول إشارةِ ربْطٍ للخطوة القضائية بالملف الحكومي بإعلانه «رئاسة الوزراء ليست للابتزاز»، وذلك بعدما كان تحريكُ ملفات فسادٍ في الفترة الأخيرة، وصولاً إلى التسريبات عن اتجاهٍ لفتْح قضايا أخرى، اعتُبر في إطارِ «تضييق الخناق» حول الرئيس المكلف وسط مناخاتِ احتقان غير مسبوق في العلاقة بين العهد وكل من رئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط اللذين تحدّثا مباشرة أو عبر نوابٍ عن «غرف سوداء» و«غرف سرية» في سياق مسار انتقائي وانتقامي سياسياً.
وعلى هذا «المسرح» الشديد التعقيد والمتعدّد الفتائل، جاء الادعاءُ على دياب ووزيرين من الكتلة البرلمانية لبري (علي حسن خليل وزعيتر) مع فنيانوس (من المردة) بمثابة الصاعق الذي فجّر «برميل بارود»،
ولا سيما أن خطوة المحقق العدلي أثارت التباساتٍ عدة أبرزها، أنها أعقبتْ إشارةً منه شخصياً عبر رسالة وجّهها الى البرلمان بأن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع الصالح للمحاكمة، وأنه كان انتقائياً بالادعاء على جزء من الأسماء التي كانت وردت في الرسالة (شملت كل وزراء المال والعدل والأشغال منذ دخول شحنة نيترات الامونيوم المرفأ قبل نحو 7 أعوام مع سحْب أسماء رؤساء الوزراء)، وأغفل إقرار عون نفسه أنه علِم بموضوع «الميني قنبلة نووية» قبل نحو 15 يوماً من وقوع الانفجار (علماً أن الدستور يمنح رئيس الجمهورية حصانة شاملة في الجرائم العادية والخيانة العظمى إذ لا يجوز ملاحقته إلا أمام «المجلس الأعلى»)، وسط اعتبار بعض الأوساط أن هذه الحصانة لا تحول دون الاستماع الى الرئيس وفق ما حصل مع الرئيس السابق إميل لحود إبان التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
والأهمّ في السياق نفسه، أن الادعاء على دياب والوزراء السابقين الثلاثة بتهمة «الاهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص» لم يترافق مع معطياتٍ بأن الجانب الرئيسي في «جريمة القرن» التي شهدها لبنان والمتمثل في مَن تولى إدخال شحنة الـ2700 طن من نيترات الأمونيوم التي خُزّنت في العنبر رقم 12 ومَن «حمى» ورعى إبقاءها في المرفأ وتهريب كميات منها وإلى أين، وصل أو سيصل او «سيُسمح» بأن يبلغ خواتيمه حتى الحقيقة وملاحقة «المجرمين المباشرين»، بما يجعل أي قصْرٍ للعدالة على جانب الإهمالِ بمثابة «عدالة ناقصة».
وفي حين يجري رصْدُ كيفية ردّ صوان على صدّه من دياب وترجيح عدم مثول الوزراء الثلاثة الآخَرين أمامه، في ظل انطباعٍ بأن ذهابه خطوة إلى الأمام قد يتسبب بتداعياتٍ هائلةٍ على مجمل الواقع اللبناني، ناهيك عن أن تراجُعه أو تمرير مثل هذا الأمر كأنه لم يكن سيعني ضربة معنوية لمسار التحقيق، لم يكن عابراً الموقف الناري لـ«كتلة المستقبل» (كتلة الحريري) التي اعتبرت «ان مرجعيات الطائفة السنّية انتفضت على مسار مشبوه من الصعوبة بمكان عزله عن الكيديات السياسية والمحاولات الجارية للانقلاب على صيغة الوفاق الوطني».
وأكدت في غمْز من قناة عون «هناك خطة لن نسمح بتمريرها، لا عبر القضاء ولا سواه، لاستهداف موقع رئاسة الحكومة. خطة انتقامية من اتفاق الطائف تستحضر الادبيات الانقلابية في آخر الثمانينات.
نعم، هناك مخطط لاحتواء وعزل الموقع الاول للطائفة السنّية سواء من خلال التهويل على رئيس الحكومة والادعاء عليه في قضية المرفأ، أو من خلال التهويل على المرجعيات السياسية التي تولّت رئاسة الحكومة خلال السنوات العشر الماضية، وايداع مجلس النواب كتاباً يدرج رؤساء الحكومات السابقين في لائحة المسؤولية عن انفجار المرفأ».
وأضافت: «من حقهم تعطيل تشكيل الحكومات، كرمى لعيون الصهر (الوزير السابق جبران باسيل)، أو بدعوى فرْض المعايير التي تجيز لقيادات الطوائف تسمية الوزراء واختيار الحقائب الوزارية والتمسك بالثلث المعطل (…) أمرٌ واحدٌ استثار الغيارى على العدالة والقضاء وتجار الهيكل، وضعوه في خانة الحماية الطائفية وتجاوُز حدود القضاء هو الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة، الذي اتّخذوا من الادعاء عليه فرصة سانحة لاصابة مرجعيات حكومية عدة بحجر واحد».
وتابعت: «بيوتهم جميعاً من زجاج مهشم وهم لا يشبهون بيوت وأسطح بيروت المنكوبة. ولو كان الأمر كذلك لتوقفوا عن تعطيل تشكيل الحكومة، ووافقوا على تشكيلة الرئيس المكلف».
في موازاة ذلك، أطلّ متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة خلال ترؤسه قداساً إحياء للذكرى 15 لاستشهاد جبران تويني على المشهد اللبناني، معلناً «نعيْنا السيادة واليوم ننعى الازدهار، في ظل حكام بعيدين كل البعد عن مفاهيم الحكم والحكمة، لقد سلبتم الناس حريتهم واليوم تسلبونهم كرامتهم. بالأمس كانت الاغتيالات تهدف لإسكات أفراد حملوا الحرية لواءً، أما اليوم بعدما أصبح الشعب بأسره ينشد الحرية وعدم التبعية، فقد أصبح الاغتيال جماعياً (…) وهل إفقار الشعب وتجويعه مقصودان من أجل السيطرة على قراره»؟
https://www.alraimedia.com/article/1512242/خارجيات/جمر-بيروتشيما-يتأجج-في-لبنان