كتب د. ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
كان الرئيس الأسبق للحكومة د.سليم الحص يقول: «في لبنان الكثير من الحريات والقليل من الديموقراطية». أما د. سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، فشنّ هجوما غير مسبوق على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قال فيه «هناك من يكذب على الناس منذ 30 سنة، وقد ظننا عام 2016 (عند توقيع اتفاق معراب الذي مهد لوصل عون للرئاسة بعد تعطيل 36 شهرا) أن الفرصة متاحة لقيام الدولة على أسس ديموقراطية وقانونية، لكن تبين أنهم كلما وصلوا الى السلطة، طالبوا بالمزيد من المكتسبات الخاصة، وربما يطالبون بالبابوية في المستقبل على حد تعبير جعجع».
اما «الثوار» فيمارسون حرية واسعة ويحاولون إلغاء التاريخ، لكنهم لم يسلكوا الطرق الديموقراطية الجدية التي توصل الى التغيير.
تجمع القوى الدولية والعربية التي مازالت مهتمة بلبنان: على أن النهج الذي اتبعه العهد الحالي، هو الذي أوصل البلاد الى الانهيار، والمتحكمين بناصية القرار، جعلوا من الشعب اللبناني من «أتعس شعوب الأرض» وفق توصيف مؤسسة غالوب الأميركية، ولا يساويهم في حالة التعاسة إلا البلدان التي تجري فيها حروب، مثل اليمن وسورية.
وفي هذه الحالة الصعبة وغير المسبوقة التي تعيشها بلاد الأرز، هناك من ينبري للحديث عن تفسيرات غريبة عجيبة للديمقراطية، ويطلق تحليلات مقيتة فيها مزايدة بالميثاقية وبالحفاظ على «حقوق المسيحيين» وهؤلاء أكثر المتضررين من حالة القبض على السلطة التي يمارسها الفريق الحاكم منذ 7 سنوات على أقل تقدير، فقد دمرت بيوتهم في بيروت، وقتلت أبناءهم، وتعطلت مصالحهم، وهم يعيشون حالة من الحصار، وغالبيتهم يفكر بالهجرة.
قبل أن يخرج الرئيس المكلف سعد الحريري من اجتماعه مع رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي، حيث قدم له اقتراح التشكيلة الوزارية بعد أن التقاه 8 مرات في السابق، قالت مراسلة تلفزيونية مقربة من التيار الوطني الحر: إن رئيس الجمهورية لا يريد تكريس سابقة تقضي بالموافقة على تشكيلة حكومية يقدمها الرئيس المكلف.
في الشكل كان الإعلان غريبا، وقد أحدث ضجة اضطرت معه أوساط القصر لإصدار بيان توضيحي، لكن التوضيح كان أشد سلبية من الخبر بحد ذاته، لأنه ذكر أن رئيس الجمهورية وضع اقتراح تشكيلة ايضا، وهذه كبوة دستورية سبق لمستشاري القصر أن وقوعوا في مثلها.
ومن لا يذكر الوزير السابق سليم جريصاتي، وهو المستشار الرئيسي في القصر، عندما انفرد بعدم الاعتراف بمشروعية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عام 2008، وهو الوحيد الذي أخذ هذا الموقف من بين كل القضاة.
ديموقراطية غريبة عجيبة يحاول العهد ممارستها والبلاد وسط الهاوية. فهو يريد المشاركة بثلث معطل في الحكومة العتيدة ـ ولا فرق هنا بين من يمثل الرئاسة ومن يمثل التيار الوطني الحر ـ لأنهم فريق واحد يقوده فعليا صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، علما أن الرئيس ألقى خطابا تهديديا للذين سيسمون الرئيس الحريري قبل يوم واحد من الاستشارات، كما أن الكتلة العونية لم تسم الحريري في الاستشارات، فكيف يمكن لطرف لا يسمي رئيسا ويطلب منه حصة وازنة في حكومته؟! علما أن الحكومة الهشّة التي ألّفها العهد وشركاؤه برئاسة حسان دياب، امتنع من لم يسم دياب من المشاركة فيها.
وهذه قاعدة ديموقراطية معتمدة في كل الدول، ولا يمكن الطعن فيها بحجة الميثاقية، لأن التوازن في عدد الوزراء متوافر بين المسيحيين والمسلمين كما ينص الدستور.
تتنامى الأصوات الداخلية والخارجية التي تطالب بتقصير ولاية رئيس الجمهورية، ويعتبر هؤلاء أن استمرار الوضع قد يؤدي الى تدمير الدولة بكاملها وإشعال اضطرابات مخيفة، ذلك أن ما يمارس باسم الرئاسة لا يمكن أن يكون بإرادة مدركة، خصوصا لناحية تسخير الموقع للتدخل في شؤون القضاء وتركيب ملفات كيدية، وفي رفض كل أشكال التعاون المرن الذي قد ينقذ البلاد من البلاء الذي وصلت اليه.