كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
في مهنة نادرة، يحترف الصيداوي عفيف بوجي وأشقاؤه الثلاثة جمع الخردة من عمق المياه، فيشكّلون علامة فارقة في بحر صيدا، بين مراكبه وشباكه ورزقه من الأسماك، يسعون الى تأمين قوتهم من خلال جمع ما يتساقط من البواخر التجارية التي ترسو في مرفأي المدينة القديم سابقاً والجديد حالياً، في أثناء نقل الخردة من صيدا الى مصر أو تركيا، حيث يُعاد صهرها وتصنيعها من جديد في معامل خاصة.
ورحلة بوجي ليست يومية لا صيفاً ولا شتاءً، وتختلف في مسارها وتوقيتها عن رحلات صيّادي الأسماك الذين يشقّون عباب المياه ليلاً ويعودون فجراً، محملين بما تصطاده شباكهم من رزق البحر وثماره، بينما هو يلتقط في صيده الإستثنائي بشباكه القوية ما يتساقط من البواخر من معادن “حديد، خردة، تنك”، فيحملها على متن قاربه صيداً مختلفاً، ليس بأسماك ولا علاقة له بالحياة البحرية.
ويقول بوجي لـ “نداء الوطن” إنّه يزاول هذه المهنة منذ 12 عاماً، وقد ولدت الفكرة عندما كان يعمل في المرفأ، لفت انتباهه سقوط الخردة قرب حوض المرفأ، فبدأ بجمعها في قارب مع أشقّائه الثلاثة لتشكّل لهم باب رزق، كونهم الوحيدين الذين يزاولون هذه المهنة في المدينة، وإن كانت لا تغني أو تسمن من جوع كونها موسمية وموقّتة وترتبط برسوّ البواخر ونقل حمولتها من الخردة”.
ومزاولة هذه المهنة النادرة كصيد عصفورين بحجر واحد، يؤكّد بوجي، “أي إنّه ينظّف قعر المياه قرب حوض المرفأ دورياً من الخردة التي يمكن أن يؤدّي تراكمها الى تضرّر البواخر أو المراكب، وفي الوقت نفسه يكسب قوت يومه مع أشقّائه من خلال بيعها وِفقاً لسعر كيلو الحديد الذي يتراوح حالياً بـ 1400 ليرة لبنانية، في ظلّ الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة”، موضحاً أنّه “حصل على كلّ التراخيص اللازمة لذلك، سواء من رئاسة الميناء أو الأجهزة الأمنية ويلتزم بكلّ القوانين المرعية الإجراء”، لافتاً الى القدرة المحدودة لرفع الحديد بواسطة شِباك قوية مصنوعة من الحرير 25 ملم، ولا تتجاوز في مطلق الأحوال 50 كيلو للواحدة، وحملها في مركب ذي مواصفات خاصة، طوله 6 أمتار على الأقل وقوّة محرّكه 2.5، ونقلها الى رصيف الميناء، بينما يتمّ تنبيه البواخر وقبطانها اذا سقط شيء أكثر من ذلك ليتمّ التعامل معه”.
وغالباً ما يلفت انتباه العابرين على الطريق البحري، طابور من الشاحنات المحمّلة بالخردة من الحديد تصطفّ على جانب المسرب الأيمن قبالة المرفأ، بانتظار الدخول وتفريغ حمولتها في البواخر عبر وكلاء أبرزهم خليفة وشحرور، وخلال العملية تتساقط الخردة، ليستعدّ بوجي وأشقاؤه لبدء رحلة جديدة أو نصب شباكهم قبل ذلك بساعات”.
ولا يُخفي بوجي البالغ من العمر 50 عاماً، وهو ربّ أسرة مؤلّفة من زوجة وأربعة اولاد، أنّ “الإعتماد على هذه المهنة النادرة لم يعد كافياً في هذه المرحلة”، يشكو كغيره من الصيادين من الضائقة المعيشية والإقتصادية والغلاء وارتفاع الأسعار، ويقول: “لقد ارتفع سعر الشباك وباتت بـ 250 ألف ليرة بعدما كانت بـ 20 ألفاً، الى جانب زيت المحرّك والصيانة الدورية وكلّها مكلفة، وألجأ بين الحين والآخر الى عمل إضافي عبر تنظيف البواخر من الأسفل و”قشط” الصدأ عنها، في مهمّة لا تستغرق أكثر من ثلاثة أيام في حدّها الأقصى، ما يزيد مدخولنا ونسدّ به عجزنا أو ما تراكم علينا من ديون”.