كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:
غيّرت زيت السيارة فدفعت “نيفتها”! شهران وبدأ محركها يصدر أصواتاً غريبة. قصدت الميكانيكي الآدمي فحذرها: إنتبهي من زيت السيارة فهو يصل الى لبنان مغشوشاً وبلا لزوجة و”بيعمل العمايل” في المحركات. جالت على محال بيع زيوت السيارات فاكتشفت حقائق من حقيقة مرّة أخرى خلاصتها: وجوب الإنتباه الى نوعية زيت السيارة أكثر من الإنتباه الى نوعية زيت الزيتون!
يُحدثوننا عن ضرورة صيانة سياراتنا وتغيير الزيت والفلتر والـ”كولييه” والدواليب… لكن، حين يصل الكلام الى السعر أو الجودة أو الغش والتقليد نراهم يغضون النظر! يُحدثوننا عن دواليب صناعة صينية لكن فاخرة وعن زيتٍ أُعيد تصنيعه معبأ لكن ممتاز، وعن “كولييه” تقليد لكن بأسعار “ع قدّ اللبناني” وعلينا فقط أن نختار. نظن أننا اخترنا فنُفاجأ أننا “أكلنا الضرب”. فهل انضم زيت السيارة المغشوش الى قدر اللبناني؟
أقسم بائع الزيوت “الآدمي” أنه استلم للتوّ زيوت سيارات أميركية “باب ممتاز” وسيبيع الكيلو “لنا” بسعر 45 ألفاً فقط لا غير. نصدقه؟ لا، لن نصدقه على العمياني لكنه يعود ليُقسم بحياة أولاده بجودة هذا الصنف من الزيت، الذي يلائم سيارات الدفع الرباعي في شكل ممتاز. هو زيتٌ أميركي وما أدراكم ما جودة هذا الزيت. نقسم ونجمع ونطرح هذا “الأوفر”: 45 ألفاً ضرب سبعة كيلوغرامات تساوي 315 ألف ليرة. ممتاز في زمن يُحلق فيه الدولار الأميركي فوق 8000 ليرة. نضع أيدينا في المياه الباردة ونقول: وافقنا. لكن، ما أدرانا بالفعل، لا بمجرد القول و”الحلفان” بجميع القديسين وأفراد العيلة، ماهية هذا الزيت؟ هل تنطبق عليه المواصفات التي أتحفنا بها البائع؟ نتذكر مقولة: عليك أن تثق في الآخرين وإلا ستصبح الحياة مستحيلة. وثقنا.
شهران وبدأت “الطقطقة” في الموتور في زمن أصبح يُحسب فيه للمبة الإشارة ألف حساب. ومن ميكانيكي الى آخر أجمع “الميكانيكيون” ان زيوت السيارات “عم تعمل عمايل”. فماذا في جديد الغش في زيت السيارات في لبنان؟
أحد تجار الزيوت يستغرب حين يسمع اللبنانيين يتحدثون عن غلاء أسعار الزيت “فيسترخصون” ويأكلون الضرب. فسعر الزيت لم يرتفع بل الدولار هو من ارتفع وكل من يبحث عن أسعار أقل، أوفر، عليه ان يعد الى العشرة وينتبه الى كل ما يأتي: “هناك أناس استغلوا ارتفاع الاسعار في لبنان، وراحوا يقصدون محال تغيير الزيوت، ويأخذون الزيوت المستهلكة الى معامل خاصة تعيد صناعتها”. هنا يُميّز تاجر الزيوت بين الزيوت النقية والزيوت التي اعيدت صناعتها. الزيت النقي virgin oil يستخرجونه ويضعون فيه إضافات معينة، بنسب معينة. اما الزيت المعاد تصنيعه recycle oil فيعاد فصل كل الشوائب منه وغسله ووضع اضافات فيه. لكن، ما يحصل انهم في الخارج، عند الشراء يخبرون: هذا يا مدام معاد تصنيعه وليس نقياً مئة في المئة. وهنا على المدام ان تختار.
لنفترض ان سعر صندوق الزيت النقي مئة دولار فيفترض ان يكون سعر الزيت المعاد تصنيعه 40 دولاراً. يختلف السعر كثيراً. لكن، ما يحدث ان شركات في لبنان تعمل هي على تنظيف الزيت المستخدم من دون مراعاة المواصفات المطلوبة. وهناك أيضاً باعة الزيوت على الطرقات الذين حين نطلب منهم زيتاً بسعر “متواضع” مقبول، لنفترض 10/40 فيبيعونا الكيلوغرام الواحد منه بسعر يتراوح بين 15 و18 ألف ليرة. نفتح القنينة فنتنشق زيتاً محروقاً. الغش واضح. ما هي آثاره الجانبية على المحركات؟ تنتج عنه كمخة وتتكوّن مادة تشبه السيليكون ما يؤثر على الموتورات التي تجعلها هذه المواد “تكربج”.
فلنسمع ما يحدث على لسان تاجر زيوت سيارات: وصل لبناني مسكين، في سيارة “كيا” صغيرة، الى محل تغيير الزيت قائلاً ان ضوء الزيت لا ينطفئ. راقبنا الزيت فتبيّن أن السعة صحيحة وقلنا: ربما هناك وسخ. وضعنا له دواء لغسل الموتور “فلاشينغ”. وفي أقل من دقيقتين انطفأت السيارة وكربج الموتور. فككنا الكارتير فتبين ان مصفاة الزيت مقفلة بالكامل ما أثّر على الكرنك والمواسير و”خربولو” بيته.
ماذا عن التهريب من الخارج؟ يحدد المعهد الأميركي للبترول (API) معايير الزيوت المقبول استعمالها عالمياً في السيارات. ويفترض من كل الشركات مراعاة هذه المعايير وكمية الاضافات التي تزاد الى الزيوت. هذه الإضافات تزيد من قيمة الزيوت التي تكون نقية وتُصبح ذات جودة عالية، مثلها مثل الرأس الفارغ الذي كلما امتلأ بالمعلومات والمبادئ والقيَم زادت قيمته. الإضافات هي التي تحمي الحرارة وتمنع حدوث الكمخة وتحمي المحرك. وهناك مستوردون يطلبون من الخارج تبديل نسب هذه الاضافات، كي يدفعوا ثمنها أقل، ويأتون ليخبروا زبائنهم أن زيوتهم أوروبية أو أميركية أو ألمانية أو إماراتية. ويقولون للمستهلك: هذا الزيت 10/40 وطبيعي ان يصدق الزبون. وحين لا تكون هذه الزيوت بالمواصفات المطلوبة ينقص الزيت ولا يتحمل الحرارة، ومعلوم ان الزيت هو الذي يقوم بمهمة تبريد حرارة المحرك، ويفترض ان يحافظ على لزوجته نفسها حتى ولو ارتفعت الحرارة كثيراً، كي لا يحدث احتكاك الحديد على الحديد. هذا الزيت قد يتحول الى مياه وحينها يتآكل الحديد وتتطور المشاكل.
هناك فساد عارم ولا رقابة على الأكل فكيف لنا ان نطالب برقابة على زيوت السيارات؟ هذه حالنا من زمان وزمان، نراقب الصورة الكاملة فنرى ان مشكلة الغش في زيوت السيارات أقل من سواها فنتغاضى عنها. لكن، اليوم، هذه المشكلة قد توقعنا في مشاكل نحن بغنى عنها. فأي عطل في السيارة “بيخرب البيت”!
من يستورد الزيت؟
يمكن لأي شخص ان يستورد زيوت السيارات على ان يستحصل على ترخيص بالاستيراد من مركز البحوث في لبنان، الذي يأخذ احياناً بالمستندات من دون اجراء فحوصات على الزيوت للتأكد حقاً من جودتها. هناك استنسابية في كل شيء.
فعلى كل مواطن هنا ان يكون أيضاً خفيراً. فلا “يسترخص”. لكن، من يُقنع هذا المواطن اللبناني ان “الغالي رخيص” في عالم زيوت السيارات. من يقنعه انهم لا يكذبون هنا ايضاً عليه ويتلاعبون بالزيت ويبيعونه بسعر عال كي يقولوا أنه نظيف، وبالتالي يكون قد دفع الثمن مرتين، أي (ثمناً مرتفعاً لزيت مغشوش)!
إنهم يتلاعبون ببطاريات السيارات أيضاً وأيضاً. كانت البطارية تبقى صالحة خمسة أعوام، أما اليوم فتفقد طاقتها بعد ثمانية اشهر. والسبب؟ إستيراد بطاريات تحوي معدن الرصاص بنسب أقل بكثير. ويعلق معني: “كنتم تحملون بطارية 55 امبيراً فتحنون ظهوركم لثقلِها أما اليوم فتحملونها بيد واحدة. يا حرام على اللبناني الذي يعيش في بؤرة من الفساد والغش والتقليد واللاأخلاقيات. إنهم يبيعون اليوم الزيت المغشوش على أنه أصلي. وها نحن قد “سقطنا” في مكان وزمان لا يبالي فيه كثيرون إذا كان ما أخذوه من الحلال أم من الحرام.
الإعلانات كثيرة. الترويج لزيوت ممتازة في كل مكان. والسؤال، كيف لزبونٍ أن يتأكد من جودة الزيوت أم عليه القبول “بأكل الضرب” ونقطة على سطر ضرب آخر؟ هناك شركات في لبنان تستورد الزيوت مطبوخة وتُعبئها في عبوات باسمِها وتحت إشراف الشركات الأم. وهذه قد تكون أكثر صدقية من شركة “البطل” و”ابو علي” و”أنا أو لا أحد”، التي يعمد أصحابها الى إعادة تصنيع الزيوت المحروقة وإضافة بعض المكونات عليها كمن يضيف ألواناً الى بيض العيد. في كل حال، وحده المختبر قادر على تحديد النوعية لكن هل تخضع كل الزيوت في لبنان الى فحوصات مركز البحوث والمختبرات؟ الجواب، بالبنط العريض: لا. ويمكن الى هذا أن تطلب من التاجر شهادة مطابقة للمنتج. اللهمّ ألاّ تكون هذه الشهادة أيضاً مزورة!