كتبت صحيفة “الأخبار”:
يرزح البلد تحت وطأة الانهيار الكبير، ولم يبق سوى إعلان رفع الدعم عن السلع الأساسية حتى يصبح لبنان وطناً غير مطابق لمواصفات العيش فيه. وسط تلك الصورة القاتمة التي باتت تهدد حياة الآلاف من المواطنين، ينشغل مكتبا إعلام الرئاستين الأولى والثانية بمناكفات تُبشِّر بأيام أكثر سواداً.
لم تدم الأجواء الإيجابية التي تحدث عنها رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري في زيارته الأخيرة الى بعبدا طويلاً. ما كاد أسبوع يمرّ حتى اشتعلت الحرب بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون حول «شياطين» الحكومة، في معرض الردّ والردّ المضاد حول مقال كتبه مستشار الرئيس عون، سليم جريصاتي، في صحيفة «النهار». ليس ذلك سوى دليل دامغ على مدى الانهيار في مختلف مفاصل البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية. وبات واضحاً أن الوئام القديم بين عون والحريري خلال حكومتين متتاليتين، بينها الحكومة الأولى ما بعد انتخاب عون رئيساً واختطاف رئيس الحكومة في الرياض، تحوّل الى نزاع حادّ على الصلاحيات والمسؤوليات ووجهة البلد في الملفات المُلحة، بحيث أصبح من الصعب رأب هذا الصدع.
ومن جهة أخرى، ثمة شروط أميركية تُكَبّل الرئيس المُكلّف، منها عدم تمثيل حزب الله في الحكومة وعدم التنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تقود الى وضع حركة الحريري كل 10 أيام في إطار ملء فراغ الوقت الضائع الى حين بروز مُعطى إقليمي جديد يغيّر قواعد اللعبة. حتى ذلك الحين لا بأس بتسعير الخلافات، عبر حفلة مشادات لم تعد تهم أحداً، فالفقراء منشغلون بفقرهم وينتظرون أياماً أكثر سواداً عند رفع الدعم عن سلعهم الأساسية، في غياب أي برنامج إنقاذي وأي محاولة للخروج بحكومة تتحمل مسؤولية انحلال الدولة وفقدان أدنى مقومات العيش فيها.
المشكلة الرئيسية اليوم أن الحريري، كما صدر عن مكتبه الاعلامي، يريد «حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار الذي يعيشه البلد وإعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ، أما فخامة الرئيس فيطالب بحكومة تتمثل فيها الاحزاب السياسية كافة، سواء التي سمّت الرئيس المكلف أم تلك التي اعترضت على تسميته، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى الإمساك بمفاصل القرار فيها وتكرار تجارب حكومات عديدة تحكمت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي»، علماً بأن تجربة حكومة الاختصاصيين لم تكن مشجعة ولا استطاعت اتخاذ قرار واحد من دون رضا القوى السياسية، ما يعني أن أي حكومة مماثلة ستلقى المصير نفسه من الحريري نفسه وحلفائه والقوى الأخرى. لكن تمسّك الرئيس المكلف بما يصفه بحكومة اختصاصيين يسمّي أعضاءها بالاشتراك مع الفرنسيين والأميركيين، ليس سوى مطلب هاتين الدولتين لتشديد الحصار على حزب الله وتحقيق أجندتهما السياسية بعزل القوى المناوئة لهما.
يتابع مكتب الحريري قائلاً: «من المحتمل أن يكون رئيس الجمهورية لم يُطلع مستشاره على أن الرئيس المكلف في الزيارة الأخيرة له الى قصر بعبدا قبل أيام، قدم تشكيلة حكومية كاملة متكاملة بالأسماء والحقائب، من ضمنها أربعة اسماء من اللائحة التي كان عون سلمها للحريري في ثاني لقاء بينهما، وهي لائحة تتضمن أسماء مرشحين ومرشحات يرى فيهم فخامة الرئيس المؤهلات المطلوبة للتوزير. فإذا كان فخامته لم يزوّد مستشاره بالتشكيلة الحكومية، فإن المكتب الاعلامي للرئيس المكلف على أتمّ الاستعداد لتوفيرها له بالسرعة اللازمة». وأشار البيان الى أن أمام الحريري برنامجاً متكاملاً لإطلاق آلية مدروسة لوقف الانهيار وتنفيذ الاصلاحات وإقرار قوانين أساسية مثل قانون الكابيتال كونترول، «لكن كل ذلك ينتظر توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة ووضع المصالح الحزبية التي تضغط عليه جانباً، وأهمها المطالبة بثلث معطل لفريق حزبي واحد، وهو ما لن يحصل أبداً تحت أي ذريعة أو مسمّى».
ردّ الرئيس المُكلّف استدعى ردّاً مضادّاً من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية حول «سلسلة مغالطات»، أولاها أن «الاعتراض الذي أبداه رئيس الجمهورية قام أساساً على طريقة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، ولم يجر البحث في الأسماء المقترحة. وقد رأى الرئيس أن المعايير ليست واحدة في توزيع هذه الحقائب، وطلب من الرئيس المكلف إعادة النظر فيها. كذلك اعترض الرئيس عون على تفرد الرئيس الحريري بتسمية الوزراء، وخصوصاً المسيحيين منهم، من دون الاتفاق معه». ثانيتها أن عون لم يُسلّم لائحة بأسماء مرشحين للتوزير، بل «طرح خلال النقاش مجموعة أسماء كانت مدرجة في ورقة أخذها الرئيس المكلف للاطلاع عليها، واستطراداً لم تكن هذه الورقة معدة للتسليم، أو لاعتمادها رسمياً بل أتت في خانة تبادل وجهات نظر». ثالثتها: «اختلاف الصيغ المقدمة من الرئيس المُكلّف في كل زيارة، بما فيها زيارته الأخيرة الى بعبدا». ورابعتها أن عون «لم يطرح أسماء حزبيين مرشحين للتوزير، بل طرح على الحريري ضرورة التشاور مع رؤساء الكتل النيابية الذين سيمنحون حكومته الثقة ويتعاونون معه في مشاريع القوانين الإصلاحية التي تنوي الحكومة اعتمادها». لم تنته المناكفة بين المكتبين الاعلاميين هنا، بل استدعت بياناً ثانياً للردّ على ردّ مكتب عون حول ردّ الحريري الأول. فأكد «مضمون البيان الأول، لاسيما لجهة تسلم الرئيس المكلف لائحة من فخامة الرئيس بأسماء المرشحين للتوزير في الاجتماع الثاني بينهما، واختياره منها أربعة أسماء لشخصيات مسيحية، خلافاً لما أورده بيان القصر عن تفرّد الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين».