كتب أكرم حمدان في صحيفة نداء الوطن:
يبدو أنّ ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت يتّجه نحو المزيد من التعقيدات، بعدما حصل نوع من الإشتباك السياسي تجاه المسار الذي حدّده قاضي التحقيق العدلي فادي صوّان، إثر إدّعائه على رئيس الحكومة وثلاثة وزراء، إثنان منهم نوّاب في البرلمان. وازدادت التعقيدات والأسئلة حول حقيقة المسار الذي يسلكه الملفّ، بعدما ذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام” أن القاضي صوّان سيباشر باستجواب وزير المال السابق النائب علي حسن خليل ووزير الأشغال العامة والنقل السابق النائب غازي زعيتر (اليوم) الأربعاء 16 الجاري، كمدّعى عليهما، وذلك بعدما تبلّغا أصولاً عبر مراسلة الأمانة العامة لمجلس النواب وكذلك على عنوان منزليهما.
هذه التعقيدات مردّها، حسب مرجع قانوني، إلى وجود التباس حول الآلية المعتمدة في مسار الملفّ، إذ أنّ المادة 40 من الدستور واضحة لجهة أنّه “لا یجوز أثناء دورة الإنعقاد إتّخاذ إجراءات جزائیة بحق أي عضو من أعضاء المجلس، أو إلقاء القبض علیه إذا اقترف جرماً جزائیاً إلّا بإذن المجلس، ما خلا حالة التلبّس بالجریمة (الجرم المشهود).
والمجلس النيابي الآن في حالة انعقاد، ولا أحد يعلم، أو أقلّه، لم يَرِد أنّ القاضي صوان طلب رفع الحصانة عن النائبين المذكورين لأنّ الآلية أيضاً تأتي من خلال مدّعي عام التمييز عبر وزير العدل ثم يتمّ الادّعاء، وهذا كلّه لم يحصل، وتمّ الإدّعاء من دون سلوك هذا المسار. ويزيد من التعقيدات، حسب مراجع قانونية متقاطعة، بعدما طلبت الأمانة العامة لمجلس النواب من القاضي صوّان عبر النيابة العامة التمييزية المستندات للسير بالملفّ من خلال المجلس. وعلمت “نداء الوطن” أنّ طلب الأمانة العامة جاء على خلفية إجتماع هيئة مكتب مجلس النواب بتاريخ 26/11/2020 ودراسة كتاب القاضي صوّان الذي كان أرسله إلى مجلس النواب بتاريخ 24/11/2020 وعملاً بأحكام قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء رقم 1390 وبنص المادة 70 من الدستور، سيّما وأنّ كتاب صوّان لم يتضمّن المستندات المطلوبة لكي يقوم المجلس النيابي بدوره.
هذه التعقيدات تطرح الكثير من الأسئلة ومنها: لماذا لم يرسل صوّان كامل الملفّ إلى مجلس النواب، أو أقلّه ما يتعلّق برئيس الحكومة والوزراء خصوصاً النواب منهم؟ ولماذا لم يطلب رفع الحصانة عن النواب الوزراء قبل الإدّعاء عليهم؟ وهل طلب المجلس يُمهّد لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية أو لإستعادة الملفّ ووضع يده عليه؟
كلّ هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن الإجابة عليها في ملفّ يُشكل سابقة تحصل للمرة الأولى في لبنان، حسب مرجع قانوني يقول لـ”نداء الوطن”: “نحن أمام حالة ليست لديها مرجعية. ففي المحاكم العادية، إذا جرى إختلاف أو تنازع في الإختصاص يُمكن اللجوء إلى محكمة عليا للبتّ به، أمّا ما نحن بصدده فتنازع إيجابي في الإختصاص ليس لديه مرجعية للبتّ به، فالمحقّق العدلي يعتبر نفسه هو صاحب الإختصاص، ومجلس النواب يسأل عن المعطيات لأنّه يعتبر نفسه ربّما أيضاً صاحب إختصاص”.
والملفت في هذا المجال، والذي قد يزيد الأمور تعقيداً هو أنّ الطريقة التي صيغت بها المادة 70 من الدستور تفسح المجال في الإجتهاد لجهة المقصود بعبارة “الإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم”، فمجلس النواب يُريد التدقيق بصفته سلطة إتهام وفقاً للمادة 70 وأي سلطة إتهام يجب أن تُدقّق في المعطيات. كذلك، فإنّ موضوع الإختصاص لا يحتاج ربّما إلى أكثرية كما الإتّهام (الثلثين) من قبل مجلس النواب، وبالتالي، فإنّ مجلس النواب عندما يجتمع في حال قرّرت هيئة مكتبه وضع الملف أمامه، سيكون أمام أمرين أو خيارين لا ثالث لهما: إما الإتهام وإحالة الملفّ أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإمّا إعتبار الأمر من ضمن الجرائم العادية وإعادته إلى المحقّق العدلي.
ومن المقرر أن تبحث هيئة مكتب مجلس النواب في اجتماعها اليوم الساعة الثانية بعد الظهر الخيارات الممكنة أمام المجلس تجاه هذا الملف وشؤون مجلسية أخرى. وبناء على ما تقدّم، فإن الأمور تحتاج إلى الإجابة على سؤال: هل يستطيع المجلس إيقاف التحقيق مع رئيس الحكومة والوزراء والنواب في حال تشكيل لجنة تحقيق برلمانية؟ أو أنّ الأمور قد تتّجه نحو قبول الدفوع الشكلية التي يتقدّم بها المدّعى عليهم ويعود الملفّ إلى المجلس الأعلى؟
لننتظر ونرَ.