كتب السفير البريطاني كريس رامبلينغ كلمة لمناسبة انتهاء مهامه في لبنان، وجاء فيها: “تغير لبنان كثيرا منذ وصولي، وبخاصة خلال الأشهر الأربعة عشر الأخيرة. أتينا هذا البلد أنا وزوجتي وولدينا الاثنين عام 2018 وملؤنا آمال كبيرة. قبل مجيئي، وأنا كنت ما زلت في لندن، سمعت ياسمين حمدان تغني “بيروت” وعلمت مذاك أنني سآتي إلى أجمل مدينة على وجه الأرض على الإطلاق (وما زلت على الرأي نفسه)”.
وتابع: “لكن الحزن اليوم يملأ عيون اللبنانيين، كلماتهم كلمات يأس. نصف القوة العاملة تقريبا عاطلة عن العمل وأكثر من نصفهم يعيش الفقر، ويلوح الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط منذ أسبوعين بموجة تسونامي بشرية. قد تشرذمت الكثير من العائلات وهاجرت المواهب والخبرات بأعداد. المدن في الليل أكثر اسودادا، وبأكثر من طريقة وطريقة”.
وأضف: “ساد اجتماعاتي الوداعية جو من التفكير في كيفية التقاء هذه الأزمات. إذ لم يسبب لبنان أزمة اللاجئين كما أنه لم يسبب أزمة كورونا، ولكن قد كانت الأزمة الاقتصادية وانفجار 4 آب من صنع محلي. وما زاد على كل ذلك هي الأزمة السياسية العميقة ترافقها أزمة اجتماعية متفاقمة، لم أجد دليلا على أن للبنان نظاما أو قيادة ترسم طريقا للخروج منهما. لم يلبس القادة عباءة المسؤولية عندما وضعوا خريطة طريق ووعود باستثمارات ملحة في العام 2018 ولا مجددا هذا العام”.
وقال: “انهك التعب أكتاف الجميع ولكنني على أمل ألا يتوقف أحد عن الدفاع من أجل لبنان يصبون إليه. قابلت أشخاصا رائعين في هذا البلد: أفراد يعملون من أجل التغيير، آخرون يدرسون في المملكة المتحدة، الكثير من رجال الأعمال المبدعين، ومن أشرف الموظفين الحكوميين. ولكن بعض الأمور عفنة: نظام الكفالة مثلا هو عار على سمعة لبنان، وحرية التعبير فيه ترزح تحت ضغط كبير. لطالما كان لبنان رائدا إقليميا في مجال الحريات وحقوق الإنسان، لكنه بات اليوم بلدا يتقدم خطوة إلى الأمام لتدفع به خطوتان أخريان إلى الوراء”.
وأكمل: “قد يتهمني بعض الأفرقاء التقليديين بالتدخل في شؤون البلاد ولكنني أنا وزوجتي ليز نحب لبنان وسنشتاق إلى أصدقائنا اللبنانيين السنة والشيعة والموارنة والدروز والأرمن والكاثوليك … فلبنان هو البلد العربي الخامس الذي عشنا فيه وأكثر من جعلنا مع أولادنا منه موطنا. أنا أرى بصائص أمل. استهلكت شعارات المقاولة وانفتاح الشعب اللبناني ولم تعد القدرة على التحمل على ما كانت. لكن كل الباقي يبقى على ما هو عليه”.
وتابع: “الأهم هو أن كل شيء اليوم مطروح على الطاولة. على السياسة أن تتغير وستتخصب هذه العملية بالأفكار. رجعت طاقة ثورة 17 تشرين 14 شهرا إلى الوراء فحسب وإنما يبقى معظم هؤلاء الذين أنشدوا من أجل مستقبل أفضل موجودين. تبقى ثقافتكم العصرية مرجعا يزينها شباب ديناميكي. ولكن الطائفية قد كبلت التفكير السياسي، ويتطلب النجاح من القادة الحاليين وقادة المستقبل أن يتحركوا خارج توزيع الكراسي. عليهم تخطي المجموعات الحالية”.
ثانيا، يبقى اللبنانيون في بلاد الانتشار أكبر مصدر قوة لكم. فهؤلاء اللبنانيون في الخارج لا يريدون الاستثمار في نموذج أعمال فاشل: عل نموذج الأعمال الذي يتطلعون إليه أن يكون مصدر فخر، ولكنهم ما عادوا يعتبرونه كذلك. على لبنان أن يعيد بناء نموذجه الاقتصادي (خريطة طريق صندوق النقد الدولي هي الصحيحة) وأن يؤمن إطار عمل مستدام وجذاب. توجه جديد يتناول الصناعة والتكنولوجيا والسياحة. والوصول إلى ذلك يتطلب أكثر من استراتيجية: فالكهرباء دليل على أن التنازلات السياسية المطلوبة للتنفيذ تشكل أكبر التحديات. فمع توافق وطني جديد وتركيز على النتائج وعلى التخطيط، يتضافر شعبكم أنتم مع أصدقائكم الدوليين لتغذية هذا النمو من جديد. وتكون إذاك الصفقة التجارية البريطانية اللبنانية في قلب هذا الحدث.
ثالثا، يبقى المجتمع الدولي موحدا بقوة. أسمع دوما أن فرنسا والولايات المتحدة في تجاذبات ولكني لا أرى ذلك. فهما ومعهما نحن – كمملكة متحدة – نتشارك التحليل والاستنتاجات ونرى الفرص نفسها والمخاطر عينها (مثلا المؤسسات الأمنية والنظام التعليمي في لبنان، التي بحاجة للدعم). هناك اختلافات في كيفية مقاربة الأمور ولكن التلاقي أكبر بكثير من هذه التباينات. وحين نبدأ بالقلق في شأن المشاركة، بدلا من التفتيش عن طرق لملء الفراغ غير المسؤول، يمكن حينها اعتبار أننا قد دخلنا مرحلة عدم الاكتراث بهذا البلد.
وأوضح أن “استمرار دعم لبنان بات أصعب. ستستمر المملكة المتحدة في دعم الأمن والتعليم والفئات الأكثر ضعفا – ونحن فخورون جدا بكل ما أنجزنا مع الجيش اللبناني، وكل ما أنجزنا في التعليم ودعم المجتمعات الفقيرة خلال العقد الماضي. ولكن جائحة كورونا تفرض ضيقا ماديا علينا وبالتالي على اصدقائنا أيضا. على لبنان أن يكافح أكثر من أجل الموارد الضحلة، والشلل السياسي لا يساعد في ذلك أبدا وقلة المصداقية هي مشكلة بلدكم الدولية الأكبر”.
وقال: “لم أذكر حزب الله أو التطبيع الذي يغير وجه المنطقة. فقد كان البطريرك الراعي على حق حين نادى مرة أخرى بالحياد. إذ لا يمكن لدولة تصبو فعلا للاستقرار والأمان أن يكون لها أسلحة خارج سلطة الدولة وبخاصة حين تستخدم هذه الأسلحة خارج حدود هذه الدولة. وعدم اتخاذ موقف في هذا الخصوص هو تماما ما يحول دون ذلك.
لبنان بلد مميز يستحق شعبه – أي أنتم – أفضل من هذا. تستحقون قادة وموظفين حكوميين وخبراء ماليين ورجال أعمال مسؤولين وشفافين ويخضعون للمحاسبة. ولكن ذلك ليس بسهولة سقوط تفاحة من عن شجرة تفاح في البقاع. وإنما يتطلب جهدا ومسعى”.
وختم: “ندائي الأخير إلى أولئك القادة والموظفين الحكوميين والخبراء الماليين ورجال الأعمال، لبلدكم أصدقاء ونحن نحب شعبكم. ولكن أنتم وليس نحن من يمسك بزمام السلطة. وأنتم أكثر من كل القادة ستذكرون وستحاكمون على ما فعلتم في أكثر الأزمنة إلحاحا”.