Site icon IMLebanon

علاقة “الحزب” و”التيار” دخلت مرحلة جديدة: مراجعة تفاهم مار مخايل؟

اجتازت العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله سنة صعبة خضع فيها تفاهم مار مخايل الموقّع عام 2016 لاختبار دقيق، وشهدت العلاقة التحالفية اهتزازات قوية لم تكن كافية لإسقاطها.. وسجلت خلافات وفوارق في وجهات النظر حيال ملفات داخلية حساسة وطريقة إدارة الوضع.. هذه المرحلة الصعبة بدأت بعد «ثورة 17 تشرين» التي انحصرت أهدافها وارتداداتها أو كادت في التيار ورئيسه جبران باسيل، وأصابت بشظاياها الرئيس ميشال عون والعهد، حتى ان هناك في التيار من يعتقد ويجزم بأن فحوى وعنوان «17 تشرين» هو «محاولة انقلاب على العهد»، وأن الهدف المباشر كان باسيل.

أخفقت الثورة في إسقاط السلطة والطبقة السياسية، لكنها نجحت في إصابة الطبقة السياسية بأضرار معنوية بالغة، وفي تقويض هيبتها وسمعتها، ونجحت في إرباك التيار الوطني الحر وإحداث بلبلة داخلية على المستويين الشعبي والسياسي، وسادته أجواء ونقاشات ومشادات سياسية في مجال البحث عن الأسباب التي أوصلت الى هذا الوضع المأزوم الذي حشر العهد في زاوية صعبة، وفي مجال تحديد المسؤوليات عما آلت إليه الأوضاع. هنا لم توفر نقاشات التيار حزب الله من المسؤولية، مسؤولية ما لحق بالعهد من خسارة وضائقة وإخفاقه في إنجاز ما وعد به، وتحديدا في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد، لأن الحزب استمر في تغطية حلفائه الذين صودف أنهم في الوقت ذاته هم خصوم العهد.

كانت العلاقة بين التيار والحزب تسير على حبل مشدود، وكانت الانتقادات السياسية المتبادلة تترافق مع عملية رصد متقابل أيضا. التيار كان يراقب تطوّر العلاقة بين الحزب والرئيس سعد الحريري، وما إذا كانت فكرة تقديم التحالف الشيعي ـ السنّي على التحالف الشيعي- الماروني التي يشجع عليها الرئيس بري ستشق طريقها الى التنفيذ.. والحزب كان يراقب الاتصالات الخفية و«الخفيفة» التي كانت جارية بين باسيل والأميركيين، وما إذا كانت فكرة إرضاء الولايات المتحدة تراود باسيل ومعها فكرة تقليص العلاقة مع حزب الله وأخذ مسافة منه.

في الأشهر الأخيرة من هذا العام حصل «تطوران وحدثان» مهمان كان لهما تأثير بالغ على الأوضاع، وأيضا على مسار العلاقة بين الحزب والتيار:

الأول: انفجار مرفأ بيروت الذي أصاب ودمّر «الواجهة والمنطقة المسيحية» من العاصمة، ونجمت عنه أضرار بالغة بشرية ومادية ونفسية. هذا الانفجار حفر عميقا في الوجدان الوطني والمشاعر اللبنانية، خصوصا المسيحية، وعمّق حالة الغضب والإحباط، كما ساهم في جعل الواقع الذي يواجهه التيار الوطني الحر، بما في ذلك واقع علاقته مع حزب الله، أكثر صعوبة وتعقيدا.. وبعدها جاءت استقالة حكومة حسان دياب تحت وطأة الانفجار، ويقول حزب الله إن بري وباسيل ساهما فيها، كل من جهته وعلى طريقته. ثم جاءت عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، والتي لم تكن لتتم لولا موافقة حزب الله، ووافق عليها الرئيس ميشا عون «على مضض». سقوط دياب وعودة الحريري ساهما أيضا في اهتزاز العلاقة بين التيار والحزب.

الثاني: تمثل في العقوبات الأميركية على الوزير جبران باسيل. وهذا التطوّر كان نقطة تحوّل عند باسيل على المستويين السياسي والشخصي، وأيضا نقطة تحوّل في العلاقة بين التيار والحزب، وتحديدا أكثر بين باسيل ونصرالله: باسيل بدا حاسما لخياره باتجاه التحالف مع الحزب لأن العقوبات عليه تعني أن اتصالاته مع الأميركيين أخفقت ووصلت الى نقطة الخيار بينهم وبين حزب الله.. وفي الواقع، باسيل لم يعد لديه من حليف سياسي إلا حزب الله بعد انهيار تحالفه مع الحريري وحالة الإغلاق في وجهه على الساحة المسيحية، والسيد حسن نصرالله أظهر تضامنا وتعاطفا واحتضانا أكثر لباسيل بعدما نجح في الاختبار الأصعب واختار «معمودية العقوبات». وفي الواقع أيضا، فإن حزب الله ليس له على الساحة اللبنانية حليفا أفضل من «التيار»، وليس لديه على الساحة المسيحية خيار بديل.

في أول خطاب له بعد العقوبات الأميركية على باسيل، أظهر السيد نصرالله اهتماما كبيرا بهذا التطوّر والمعطى الجديد، ووجد نفسه معنيا بالرد عليها والتعاطي معها نظرا لانعكاساتها وارتداداتها الداخلية المؤثرة على التوازنات والمعادلة السياسية، وعلى الوضع السياسي والشعبي للتيار الوطني الحر ورئيسه، وعلى العلاقة بين الحزب والتيار، واستطرادا على وضعية حزب الله الذي يُدرج العقوبات الأميركية على حلفائه، لا سيما على الحليف المسيحي، في إطار الحرب الأميركية المفتوحة ضده لإضعافه ومحاصرته وتفكيك سيطرته على الدولة وشبكة تحالفاته وبناه التحتية السياسية والشعبية.

الأهم في هذا الخطاب أن السيد حسن نصرالله كشف عن رغبة وقرار بتطوير العلاقة بين حزب الله والتيار مع الاستعداد لمراجعة تفاهم مار مخايل الذي تمنت جهات كثيرة سقوطه خلال السنوات الماضية على حد قوله، مضيفا: «تفاهمنا مع التيار الوطني الحر صمد 14 عاما، ولا شك أنه يحتاج مراجعة لكن ليس في العلن».. مع العلم أن مراجعة هذا التفاهم شكلت مطلبا ملحا عند التيار هذا العام، وخلص السيد نصرالله إلى هذه النتيجة «التطوير والمراجعة» بعد مطالعة ركزت على النقاط التالية:

اعتبار العقوبات على الحلفاء «خطوة أميركية متقدمة لضرب حزب الله، بعد فشل كل المحاولات السابقة (المؤامرة ضد سورية، وتأجيج البيئة الشيعية الخاصة والعامة ضد الحزب عبر الحصار المالي والاقتصادي).

كشف السيد نصرالله عن اتصالات أجراها باسيل معه قبل صدور العقوبات، وأبلغه أن الأميركيين طلبوا منه التحلّل من التحالف مع حزب الله، وهو قرّر إذا خُيِّر بين العقوبات والبقاء في التحالف، فإنه يختار الالتزام بالتحالف لما فيه من مصلحة وطنية. وتابع السيد نصرالله: «أنا أخبرته اننا نحترم كل موقف يتخذه ولو كان فك التحالف، لأننا لا نريد الأذية لأحد ونترك الحرية لحلفائنا…». ومن خلال هذه «الرواية» يدحض السيد نصرالله ويكذّب «رواية» السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي كشفت في بيان رسمي أن باسيل عرض فك تحالفه مع حزب الله مقابل شروط معينة.

الإشادة بالوزير باسيل من موقفه تجاه العقوبات الأميركية، ووصفه بأنه «موقف شجاع وطني مهم، ويُبنى عليه في الأدبيات والسلوك السياسي اللبناني»، مؤكدا أن «الوزير باسيل ثبت استقلاليته وصدقيته ووطنيته. ومن أراد أن يحافظ على سيادة لبنان واستقلالية تياره فعليه أن يتصرف كما تصرف الوزير باسيل، وعلى الجميع التضامن معه والتعاطي مع العقوبات كموضع سيادي خارج المناكفات السياسية والشخصية».

قرار حزب الله الرد على العقوبات الأميركية بترسيخ العلاقة بين الحزب والتيار ودعم باسيل تُرجم على مستويين، وفي ملفين:

الأول: ملف تشكيل الحكومة الجديدة، حيث لوحظ أن حزب الله أدخل تغييرا في طريقة التعاطي مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة بتوفير الدعم والتأييد لمواقف باسيل ومطالبه، حتى لو أدى الأمر الى التراجع عن تعهدات أُعطيت للحريري وعن «اتفاق الإطار» معه لتشكيل الحكومة الجديدة، والى تقديم العلاقة مع باسيل على العلاقة مع الحريري.. وما يريد الحزب قوله من خلال ذلك أنه يرفض الاستقواء بالعقوبات الأميركية لاستضعاف باسيل والنيل منه، لا بل يريد من الحكومة الجديدة أن تكون سبيلا الى التعويض على باسيل سياسيا ومعنويا، وما خسره بسبب العقوبات يعوّضه من خلال الحكومة، وبذلك يصبح الحريري في وضع أكثر إحراجا.

الثاني: في ملف العلاقة بين التيار والحزب، وحيث انطلقت عملية ترميم التصدّعات والشقوق التي كثرت خلال عام مضى، وبموازاتها عملية مراجعة لتفاهم مار مخايل تفرضها التغييرات الكثيرة التي حدثت في السنوات الـ 15 الماضية.

في هذا الإطار، أفادت معلومات بأن لقاء افتراضيا عُقد أمس بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وجبران باسيل تم التوافق خلاله على ثلاث نقاط رئيسية هي:

ـ التسليم المسبق بعدم المسّ بما سبق الاتفاق عليه فيما يخص حماية لبنان ودفاع المقاومة عن أراضيه وفعل كل ما يلزم لتكريس توازن الرعب القائم، وهذا البند غير مطروح للنقاش.

ـ الانطلاق من الاجتماع الأول من ورقة تفاهم «6 شباط» لتحديد ما أُنجز وما لم ينجز وما يفترض العمل لإنجازه وما تجاوزه الزمن، مع حرص هائل من الجانبين على مقاربة جميع النقاط بهدوء شديد.

ـ تشكيل لجنة من الطرفين تناقش الأفكار كما حصل خلال الشهور التي سبقت إعلان مار مخايل، تضم الوزير السابق سيزار أبي خليل والنائب آلان عون، فيما تضم لجنة حزب الله النائب حسن فضل الله ومسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، مع الإشارة إلى أن العمل يتمحور حول ورقة التفاهم التي وُضعت منذ 15 عاماً، لا على صياغة تفاهم جديد، لذلك تجري غربلة البنود واستبعاد تلك التي نُفّذت أو سقطت بمرور الزمن لحصر النقاش في النقاط التي لم تُنَفّذ وإضافة أخرى طرأت منذ عام 2006. و«التفاهم القيادي» سيشمل هذه المرة أنصار الحزبين، بمعنى أن التعاون الموجود أصلا بين مختلف قطاعات الطرفين بحاجة إلى تفعيل.

ترى مصادر قريبة من الحزب أن انقطاع جسور باسيل مع الأميركيين، أقلّه حتى إشعار آخر، سيسمح بإراحة علاقة حزب الله به. وليس خافيا أن بعض القريبين من حزب الله شعروا في الآونة الأخيرة بأن باسيل كان يساير أحيانا واشنطن، عبر بعض المواقف والقرارات، سعيا الى تجنّب الغضب الأميركي عليه، وهذا ما تحرر منه عقب استهدافه بالعقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يزيل أو يخفف الهواجس التي تسرّبت الى بيئة المقاومة حيال باسيل. وكذلك فإن رئيس التيار لم يعد مضطرا بعد الآن الى تحمّل عناء نسج خيوط التوازن الصعب بين التحالف مع الحزب والعلاقة مع واشنطن. وحزب الله المعروف بوفائه لحلفائه سيكون حريصا قدر المستطاع على مراعاة باسيل عقب معاقبته نتيجة رفضه فك التحالف الذي ربط الطرفين منذ العام 2006. ويحرص الحزب أكثر من أي يوم مضى على ألا يدفع التيار الوطني الحر ثمن تمسكه بتفاهم «مار مخايل»، وهو لن يسمح بأي خلل في التوازنات الداخلية على خلفية العقوبات الأميركية، كما أنه يدعم حليفه المتمسك بضرورة التزام الحريري بمعايير موحدة في التشكيل، ولن يكون مسموحا بأي تشكيلة تضعف التيار وتجعله منبوذا في الداخل.