كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
“عيدٌ… بأية حال عدتَ يا عيد”؟ سؤال نطرحه جميعنا في هذه الايام التي يجب أن تكون أملاً لكل لبناني يطالب بدولة القانون والعدل… ولكن ها قد اقتربت الاعياد، وبدأ الجميع يحضّر ما يستطيع تقديمه للأحبّاء خاصة في هذه الأحوال الاقتصادية الضيقة على معظم الشعب اللبناني. ويحاول الأب والأم توفير ما يستطيعان لتأمين ما يطلبه الطفل من «بابا نويل»، رمز العطاء والتفاني. فمن هو بابا نويل؟ وكيف يمكن تفسير هذه الشخصية من خلال التحليل النفسي؟ ولم يخاف بعض الأطفال منه؟ وكيف يمكن مساعدتهم لتخطّي خوفهم؟
جميعنا يعرف «بابا نويل» أو «سانتا كلوز»، ويعرف قصته الغريبة العجيبة. هو شخص يعيش في بلاد باردة في القطب، ولديه حيوانات الرانة، كما لديه مصنع كبير لصناعة الهدايا، ويساعده عدد كبير من الأقزام لصناعة هذه الهدايا. خلال السنة، يصنع بابا نويل جميع الألعاب، وليلة عيد الميلاد، يمرّ هذا الرجل على جميع الأطفال ويعطيهم الألعاب التي تَمَنّوها. ويتخيّل الأطفال أنّ بابا نويل يهبط من مداخن مدافئ المنازل أو من النوافذ المفتوحة. ولكن طبعاً هذه ليست سوى قصة يستمتع بها الأطفال لعمر معيّن، ثم يكتشفون ومن خلال المنطق التفكيري أنّ هذه الشخصية لا يمكن أن تكون موجودة، من خلال دخولها إلى المداخن أو من خلال طيران حيوان الرانة الذي يساعد «بابا نويل» في مهمته كل سنة. ولكن من المهم عدم إخبار الطفل الحقيقة قبل أن يعيش سحر العيد. ويجب التفسير للطفل معنى «العطاء» و»المساعدة» وميلاد المخلّص المسيح في هذا العيد.
من هو «بابا نويل»؟
“بابا نويل” هو من الشخصيات الأكثر حبّاً بين الأطفال، فقد أصبح شخصاً ينتظرونه كل سنة، ومن خلال مخيلتهم الخَصبة جعلت منه شخصاً حقيقياً، كأيّ شخص عادي، يعيش ويتنفس ويحضّر الهدايا ويقدمها للأطفال. فطبعاً قصة وسيناريو «بابا نويل» تنتمي فقط لمخيلة الأطفال. ولا يمكن نكران أنّ اللباس الأحمر لسانتا كلوز ولحيته البيضاء وكيس الهدايا هي مصدر بهجة وسرور في نفوس الجميع الأطفال. كما أنّ زيارة بابا نويل في الليل ودخوله من مدفأة البيت أو إحدى نوافذه ووضع الهدايا العديدة بقرب شجرة العيد، يَندرج ضمن إطار سحر الجو وسحر مخيلة الطفل الذي عادة ما يَنجذب إليها.
أما بالنسبة للخلفية الواقعية، فرمز بابا نويل يرجع إلى أحداث ترتبط بالقديس نيكولاس الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، وكان يقوم بتوزيع الهدايا أثناء الليل للفقراء ولعائلات المحتاجين.
كيف يفسّر التحليل النفسي «بابا نويل»؟
يتخذ «بابا نويل» صورة الأب أو الجد الحنون المِعطاء الذي يحبّ أن يقدّم للآخرين كل ما عنده، كما يظهر كشخص قريب على القلب.
وبالرغم من أنه لا يمتلك الصورة الكاملة لشخصية مشهورة، فهو سمين جداً ويدخن غليوناً ويضحك بصوت عال ولا يتوقف عن الضحك أبداً، وغيرها من الصفات غير المحببة، فكل الأطفال يحبونه بسبب «الصورة الخارجية» لسانتا التي تعكس الحاجة الداخلية عندهم، وأهمها العاطفة. فهو شخص مليء بالعاطفة والحنان والحب للأطفال، خاصة انه يحقق لهم أمنياتهم. كلّ ذلك جعل منه شخصاً محبوباً جداً. ويعلّم «بابا نويل» الأطفال دروساً من خلال المهمة التي يقوم بها في خيالهم، ومن أهم هذه الدروس:
– يجب أن يفهم جميع الأطفال معنى العيد وعدم الإلهاء بالهدايا فقط. يجب تفسير أهمية دور بابا نويل في عيد الميلاد، وهو إعطاء الهدايا للفقراء ومساعدة المحتاجين وليس فقط الطلب منه وعدم شكره على كل ما يقدّمه. ولكن طبعاً يجب الابتعاد عن المواعظ أو عدم السماح للطفل عَيش فرحة العيد.
– مساعدة الطفل خاصة ذو الشخصية النرجسية، على أن يتقاسم ما لديه مع الآخرين. فمثلاً، يمكن تشجيع الطفل النرجسي أو المحبّ لذاته أن يقدم هدايا من هداياه القديمة أو أن يختار هدية جديدة وإعطائها لطفل محتاج. كما يجب التفسير لجميع الأطفال من دون استثناء قصة حياة القديس نيكولاس، فقصة حياته مثيرة وفيها المعنى الحقيقي ليوم العيد.
– عندما يصبح الطفل في عمر يمكن أن يميّز بين ما هو خيالي وما هو حقيقي، يجب إخباره عن حقيقة بابا نويل وبأنه شخصية غير حقيقية. فيمكن التفسير للطفل، الذي أصبح أكثر نضجاً، الآتي: «لا يمكن لرجل أن يطير مع عربته ورنّاته وأن يوزّع الهدايا في ليلة واحدة لجميع الاطفال، هذا خرافي». وإذا سأل الطفل أسئلة أخرى عنه، يمكن التفسير بأنّ بابا نويل هو شخص خرافي وهو يُضفي الفرحة والبهجة عند الأطفال الصغار وهو غير حقيقي.
– بعض الأهالي يشعرون بالذنب إذا أخبروا أطفالهم عن حقيقة سانتا كلوز. فطبعاً هذا الشعور غير مبرر، إذ عاجلاً أو آجلاً سيكتشف الطفل ذلك، لكن من الأفضل أن يخبره الأهل بذلك لأسباب تربوية بَحتة، خاصة لإبقاء صِلة الثقة بينهما.
ولكن لم يخاف بعض الأطفال من بابا نويل؟
عادةً بعض الأطفال يخافون من الأشخاص الذين لا يرونهم بوتيرة مستمرة ومتكررة. فهذا الخوف طبيعي ولا يجب أن يُقلق الأهل من صراخ أو قلق الطفل عندما يشاهد بابا نويل، وحتى لو لم تكن المرة الاولى لهذا اللقاء، وسبب الخوف من الغرباء هو التربية على الانتباه من الغرباء. لذا، نرى بعد حصول أول لقاء مع سانتا كلوز، أنّ هناك نوعاً من الشعور القلق والإرتباك عند الطفل. ودور سانتا كلوز (أو الشخص الذي يلعب دور سانتا كلوز) هو تخفيف هذا القلق والضحك مع الطفل بطريقة بسيطة وخفيفة. ولكن بفضل خيال الطفل وجَو الميلاد، الذي عادةً ما يكون ممتلئاً بالفرح، يتعوّد الطفل على رؤية بابا نويل وهكذا أيضاً يَقلّ خوفه منه.