كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
من الآخر: لن يكون تعيين محقّق عدلي جديد في قضية المرفأ أمراً سهلاً. التجربة السابقة في اختيار القاضي فادي صوّان كانت مُحبِطة على مستويَين:
– النزاع العلني الذي حصل بين وزيرة العدل ماري كلود نجم وبين مجلس القضاء الأعلى حول اختيار الإسم.
– وفرفكة قضاة كثر أيديهم خوفاً من أن تقع القرعة عليهم “خشية أن يحترق اسمهم” باستلامهم مهمّة هي أقرب إلى “مشروعٍ انتحاري” في بلد تحكمه توازنات وحسابات تبدأ بأصل وفصل و”جينات” القاضي وصولاً إلى حسابات ومصالح منظومة سياسية متكاملة.
أصلاً متى وأين وكيف تسنّى للبنانيين أن يعرفوا “الحقيقة الكاملة” ومحاسبة المرتكبين بأيّ ملفّ أو قضية!
وكيف سيكون “قاضياً” على شاكلة مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا يبدأ مهامه قبل صدور قرار اتّهامي عن لجنة نيابية برلمانية لها سوابق في التبرئة وليس في المحاسبة؟!
عملياً أُدخل التحقيق إلى الثلاجة. مهلة العشرة أيام للردّ على دعوى “الارتياب المشروع” المقدّمة من النائبين والوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر تتعلّق حصراً بملاحظات فرقاء الدعوى ومن ضمنهم القاضي صوّان، الذي يفترض أن يردّ على ما سيق ضدّه تمهيداً لصدور قرارٍ يفصل بين احتمال تنحيته او استمراره بالتحقيق.
وصحيح أنّ محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجّار، وبعد ورود الأجوبة والملاحظات إليها من فرقاء الدعوى، ليست ملزمة قانونياً بالبتّ بالدعوى ضمن فترة محدّدة، لكنّ مصادر قضائية بارزة تؤكّد: “هذه ليست ثغرة في القانون وليست مبرّراً للتأخير. ومحكمة التمييز ملزمة بالبتّ بدعوى الارتياب المشروع بعدما تطّلع على المستندات وتجري المذاكرة ضمن مهلة معقولة تتراوح في العادة بين أسبوع وعشرة أيام”.
لكنّ التحقيق “المعلّق” سيكون أمام استحقاقٍ هام وحاسم. فمنذ لحظة تقديم صوّان ردّه إلى محكمة التمييز في شأن دعوى الارتياب المشروع يستطيع أن يعود إلى مكتبه في قصر العدل ويتابع تحقيقاته إلى حين فصل محكمة التمييز بالقضية. فهل سيفعلها؟
تقول أوساط بارزة متابعة لملفّ التحقيقات: “في الأساس لم يكن القاضي صوّان ملزماً بتعليق التحقيق. وهذه نقطة أساسية، خصوصاً في ظلّ وجود رأي عام ضاغط وبعد دخول القضية متاهات التسييس”.
تضيف الأوساط قائلةً: “خلفيات وقف التحقيق يملكها القاضي صوّان، فيما مبرّراته ليست موجودة ضمن النصوص القانونية. وطالما أنّ محكمة التمييز لم تقرّر الفصل بالمراجعة المقدّمة أمامها بشكل نهائي ولم تقبل طلب نقل الدعوى، فلا حائل قانونياً يمنع القاضي صوّان من متابعة عمله، لا بل من واجبه أن يتابع. أمّا وأنّه اختار تعليق التحقيق فهو ملزم بعد عشرة أيام باستكمال عمله إلى حين تقول محكمة التمييز كلمتها. ففي القضايا الجزائية هناك فرق بين دعوى الارتياب المشروع وبين دعوى “ردّ القاضي”، التي تلزم الأخير بوقف تحقيقاته تلقائياً”
وثمّة معطى هام أيضاً مرتبط بالتحقيق. ففي حال قرّر القاضي صوان بعد عشرة أيام استئناف تحقيقاته، أو في حال ردّت محكمة التمييز طلب دعوى الارتياب المشروع، يبدو صوّان مكبّلاً في ما يخصّ استجواباته المتعلّقة برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان ودياب والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس. واستطراداً سيكون مطوّقاً في كل ما يتعلّق بادّعاءات من “الوزن السياسي”.
فمجلس النواب قال كلمته وعكسها بشكل واضح أمس نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي بالتأكيد في حديث صحافي: “لا يحقّ لصوّان القيام بأيّ إجراء يتعلّق بالنواب والوزراء وطلبنا الاطّلاع على التحقيقات لنمارس عملنا وإجراء المقتضى”!
كما يواجه فريق سياسي كبير القاضي صوّان بنصّ المادتين 40 و69 من الدستور، ما يحول دون اقترابه من مساءلة أيّ نائب في البرلمان. فالمادة 40 تشير إلى أنّه “لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتّخاذ إجراءات جزائية نحو أيّ عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليـه إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)”. فيما نصّت المادة 69 من الدستور أنّه “عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتّى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة”.
وهو واقع سيواجه أي محقّق عدلي في حال كفّ يد صوان عن الملفّ. وتذهب التوقعات إلى حدّ التسليم بصعوبة مقاضاة سياسيين اليوم أمام “قوس” مجلس النواب وسط أزمة سياسية مالية مصيرية لا سابق لها قد تنتهي بدفن النظام القائم.
هكذا فرض التعثّر في تأليف الحكومة نفسه على تحقيقات المرفأ، بحيث يبقى مجلس النواب في حالة انعقاد دائمة إلى حين تأليف الحكومة، ما سيطيّر جلسة 4 كانون الثاني التي حدّدها صوّان للاستماع إلى إفادتيّ علي خليل وزعيتر، كمدّعى عليهما، في قضية المرفأ.