يتطلع اللبنانيون والمجتمع الدولي إلى تشكيل حكومة لبنانية جديدة تكون قادرة على العمل وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، علّ وعسى أن تضع لبنان على طريق النهوض اقتصادياً ومالياً، أو على الأقل وقف مسيرة الانهيار.
لكن شتّان ما بين آمال اللبنانيين وأصدقاء لبنان، وما بين أداء مدّعي المسؤولية في وطننا. كل ما يجري في ملف تشكيل الحكومة الجديدة يجعلنا نسأل كيف يمكن لمثل هكذا حكومة في حال تشكلت أن تحكم وأن تتخذ أي إجراءات أو قرارات في ظل المعادلات التعطيلية التي تتحكم فيها منذ اليوم وقبل ولادتها التي تبدو مستحيلة حتى إشعار آخر؟ تخيلوا كيف سيكون الوضع داخل الحكومة عند كل قرار وفي كل ملف، وكيف سيكون التعطيل سيد الموقف على كل المستويات… فلماذا نريد مثل هكذا حكومة، بغض النظر عن توزيع الحقائب والثلث المعطل، طالما أنها تتشكل بالمحاصصة بين الأطراف التي عطّلت وشلّت كل الحكومات السابقة؟!
ولأن الوضع لم يعُد يُحتمل، دخل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على خط الوساطة حكومياً، في مسعى لأرفع مرجعية دينية مسيحية علّها تساهم في تهدئة النفوس المشحونة. ولكن من الواضح أن ما لم يُعطَ لقصر الإليزيه لن يُعطى لصرح بكركي، وأن من أجهض المبادرة الفرنسية لن يتردد في إحباط مسعى البطريرك الماروني، ومن لم يحترم زيارتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكنا في انتظار الثالثة، ومن لم يحترم دعوة فرنسا لمؤتمرين دوليين لمساعدة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، لن يكون أكثر احتراماً للزيارات المكوكية لبطريرك الموارنة إلى قصر بعبدا واستقبالاته المكثفة في بكركي. وكل ما سبق يؤكد أن قرار الإفراج عن الحكومة العتيدة ليس قراراً داخلياً بقدر ما هو قرار إيراني صرف كما في كل المرات السابقة منذ اتفاق الدوحة على الأقل وحتى اليوم.
لعل المواجهة الداخلية الأساسية في الملف الحكومي تتمثل في الاختلاف الكبير بين وجهة نظر بكركي التي كرّر سيدها موقفه الداعي إلى تشكيل حكومة غير سياسية تتفرّغ لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وبين إصرار رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل ومن خلفهما “حزب الله” على حكومة سياسية تؤمّن حماية سياسية لسلاح الحزب في المرحلة المقبلة وتؤكد على انخراط لبنان في المحور الإيراني، من دون أن ننسى سعي البعض لتأمين قدرته على التحكم بالحكومة، من خلال الثلث المعطل والوزارات الأساسية، ليضمن القدرة على التحكّم بمرحلة ما بعد انتهاء العهد الحالي.
في الخلاصة ربما يكون مفيداً للبنان ألا تتشكل حكومة بمواصفات المنظومة الحاكمة، وربما يكون مفيداً للبنانيين أن ينتظروا انفراجاً يأتي على شكل إعادة نظر شاملة بكل شيء عوض تسليم البلد من جديد للمنظومة إياها وكأن شيئاً لم يكن. الأكيد أن مصير أي حكومة جديدة في المعادلات القائمة سيكون الفشل الحتمي، وربما على سيد بكركي أن يقيم الصلوات لأنها حتماً نافعة اكثر من الوساطات مع هذه الزمرة الحاكمة!