كتب طوني أبي نجم في صحيفة نداء الوطن:
لطالما تعرّض اللبنانيون لسياسة الترهيب والإغتيالات والتفجيرات. ذاكرة اللبنانيين مفعمة بالحوادث والأمثلة منذ محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة وصولاً إلى اغتيال الوزير الشهيد محمد شطح، مروراً طبعاً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وجميع شهداء “ثورة الأرز”، وصرخة النائب الشهيد جبران تويني بعد محاولة اغتيال الوزيرة السابقة مي شدياق لا تزال تصدح في ضمائرنا: “شو بدكن بالوردة، تعو لعندي”… وأتوا لعنده واغتالوه!
ما مناسبة هذه الاستعادة اليوم؟ المناسبة بكلّ بساطة أنّ ثمة من يحاول استعادة تلك المرحلة على أكثر من مستوى، بدءاً بنشر تسريبات على أعلى المستويات وتحديداً في المجلس الأعلى للدفاع عن خطر العودة إلى الإغتيالات السياسية، مروراً بحملات التهويل المباشرة التي تقوم بها وسائل إعلام وصحيفة تدور في فلك “حزب الله”، وليس انتهاء بالرسائل التهويلية للنائب السابق سليمان فرنجية في مقابلته الأخيرة!
بالتوازي، عمد “حزب الله” للمرة الأولى في تاريخه إلى التقدّم بدعاوى قضائية ضدّ عدد من الشخصيات والأحزاب المعارضة له. وبغضّ النظر عن كون الحزب لا يملك الشخصية المعنوية التي تخوّله الإدّعاء على أحد لأنّه حزب غير مرخّص قانوناً في لبنان، فإنّ هذه الدعاوى ربما تشكّل الإنذار الأول والمباشر إلى المعنيين من ضيق صدر الحزب، الذي لم يلجأ إلى الأسلوب القضائي من قبل، ولكن ربّما يحتاج في هذه المرحلة إلى “التمويه”، لا سيّما بعد صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة من أجل لبنان بحقّ سليم عياش بجريمة اغتيال الحريري، وخصوصاً أنّ الأنظار الدولية كلها مصوّبة عليه، بدءاً من العيون والعقوبات الأميركية، وليس انتهاءً بتصنيفه منظّمة إرهابية في عدد كبير من الدول الأوروبية والعربية!
يريد “حزب الله” اليوم أنّ يحدد أطر العمل السياسي والشعبي في لبنان، وخصوصاً في ظلّ الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي الشامل الذي يعاني منه لبنان بسبب ممارسات الحزب وانخراطه في الحروب الإقليمية التي تسبّبت بعزلنا بشكل كامل، وبحصار خانق عربي ودولي. يضع “حزب الله” للبنانيين وللثورة التي قامت منذ 17 تشرين الأول 2019، وخصوصاً بعد جريمة انفجار مرفأ بيروت، العناوين الممنوعة والعناوين المسموحة: ممنوع أن يُوجّه أي اتهام إلى الحزب، سواء في جريمة المرفأ أو في المسؤولية المباشرة عن الإنهيار من خلال التسبّب بتعطيل السياحة الخليجية والاستثمارات العربية في لبنان، وبالتالي منع تدفق الدولارات إلى الداخل. المسموح فقط هو مهاجمة المصارف ومصرف لبنان وحاكمه، مسموح مهاجمة الجامعات الخاصة كالجامعة الأميركية والتحريض عليها، كما هو مسموح مهاجمة الدول العربية والغربية من الولايات المتّحدة وبريطانيا إلى السعودية والإمارات.
هكذا بات اللبنانيون أمام معادلة واضحة في سنة بالغة الحساسية والتعقيدات الدولية والإقليمية، على وقع المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية المنتظرة: إرضخوا واسكتوا في انتظار بلورة صورة المنطقة، أو تذكّروا مصير رفيق الحريري وباسل فليحان وجورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم ومحمد شطح ووسام الحسن ووسام عيد ورفاقهم… في زمن التهويل بالعودة إلى الإغتيالات.
لكنّ جوابنا واضح: لن نرضخ ولن نستسلم… وكلّ رسائل التهويل والتهديد مرفوضة ومردودة. سنبقى نعلن بالفم الملآن أنّ “حزب الله” هو المسؤول الأول عن انهيار لبنان مالياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولا حلّ مُمكِناً إلا بتسليم سلاح الحزب لنتمكّن من تحقيق تغيير شامل في المنظومة الحاكمة، وبناء دولة قوية تحارب الفساد وتُعيد لبنان إلى الحضنين العربي والدولي.