كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الأوسط:
مع انطلاق عملية إعادة النظر في البرنامج الذي أطلقه «مصرف لبنان» في خريف 2019 لتنظيم تمويل استيراد المواد الأساسية بعدما شارف احتياطي «المركزي» على النفاد، يستمر النقاش حول بطاقات ائتمانية تؤمن تمويلاً بسيطاً بشكل شهري للبنانيين الأكثر فقراً ليتمكنوا من مواجهة المرحلة.
ويقول مصدر وزاري لبناني إن انطلاق العمل بهذه البطاقات «يحتاج إلى تحديد المرجعية؛ أي الوزارة التي يفترض أن تتسلم تحديد المستفيدين وتوزيع البطاقات في ظل الكباش الحاصل بين عدد من الوزارات للإمساك بالملف، كما في انتظار تأمين التمويل اللازم». ويشير المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اجتماعات حاسمة ستعقد مطلع الأسبوع للبتّ في الموضوع، خصوصاً أن عملية الترشيد قد انطلقت أصلاً من وزارة الاقتصاد مع خفض السلة الغذائية المدعومة بنسبة تتراوح بين 55 و60 في المائة، على أن تطال قريباً الأدوية التي تُشترى من دون وصفة، فيجري توفير نحو 250 مليون دولار من ترشيد الدعم في هذا القطاع». ويوضح المصدر أن «الإشكالية الحالية تكمن بشكل أساسي في شمول الترشيد النفط لأنه أساسي ومطلوب من جهة؛ ويؤثر على مختلف القطاعات من جهة أخرى».
وفي هذا المجال، يشير الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أنه في حال رفع الدعم الجزئي عن البنزين «بحيث يتم حينها اعتماد سعر الدولار وفقاً لمنصة (مصرف لبنان)؛ أي 3900 ليرة للدولار (السعر الرسمي 1500 ليرة والسوق السوداء فوق 8000 ليرة)، فسيرتفع سعر صفيحة البنزين من نحو 24 ألف ليرة لبنانية إلى 39 ألف ليرة، بغياب شبكة حكومية للنقل العام، وعدم شمول هذا النقل، وإن وجد، كل المناطق، أضف أنه غير منظم ويعاني الفوضى والعشوائية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اللبنانيين يعتمدون بشكل أساسي على خدمة النقل التي يقوم بها القطاع الخاص من خلال 40 ألف سيارة عمومية و13 ألف فان (حافلة صغيرة). وتقتصر وسائل النقل الحكومية على 37 باصاً لتسعة خطوط في بيروت لخدمة مليوني نسمة، ولا يستخدم النقل المشترك إلا اثنان في المائة من الركاب.
ويشير المشرف العام على «خطة لبنان للاستجابة للأزمة»، الدكتور عاصم أبي علي، وهو أيضا مستشار وزير الشؤون الاجتماعية، إلى أن «الأرقام المتوافرة تفيد بوجود نحو 650 ألف عائلة ستكون بحاجة للمساعدة مع ترشيد ورفع الدعم»، مشدداً على أن «قواعد الاختصاص تفرض على وزارة الشؤون تحديد من يحق له أن يستفيد من البطاقات التمويلية المفترض إصدارها»، وموضحاً أن «الوزارة وضعت خطة لإنشاء نظام متكامل للمعلوماتية؛ أي نظاماً مركزياً يستقبل كل قواعد البيانات الموجودة بالإدارات العامة لتحديد الأشخاص الواجب أن يستفيدوا من هذه البطاقات». ويشير أبي علي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «60 في المائة من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، مما يعني أن هؤلاء الأشخاص يستأهلون الاستفادة من البطاقات التمويلية. أضف أن دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية ومديرية الإحصاء المركزي في لبنان خلصت إلى أن 74 في المائة من أصحاب الدخل يعدّون مستضعفين، وبالتالي يستأهلون الحصول على الدعم».
ويشرح بأن «مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً رفع عدد المستفيدين إلى 50 ألفاً، علماً بأنه ومع شبكة الأمان الاجتماعية الممولة عبر مشروع قرض البنك الدولي وقيمته 246 مليون دولار، فسنتمكن من مساعدة 150 ألف عائلة جديدة، مما يرفع العدد الإجمالي إلى 200 ألف عائلة تستفيد من بطاقات ائتمانية غير البطاقات التي يفترض أن تصدر لتغطية أعباء رفع الدعم». ويضيف: «ندفع كي يكون هناك نوع من التكامل بين مشروع الدعم ومشروع شبكة الأمان وبرنامج الأسر الأكثر فقراً، لا أن يحل الواحد مكان الآخر، على أن يتولى (مصرف لبنان) تمويل مشروع الدعم أو من خلال الحصول على قروض جديدة».
وللخروج من الدوامة التي يدور فيها لبنان، يشدد مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، على وجوب تشخيص المشكلة أولاً قبل طرح الحلول لحلها، لافتاً إلى «حتمية الانطلاق من معطى أساسي، ألا هو أن الدولة مفلسة ولا وجود لأموال لنفقات حكومية باعتبار أن 70 في المائة من مداخيل الدولة تذهب لرواتب موظفي القطاع العام. ويضيف نادر لـ«الشرق الأوسط»: «المطلوب ضخ السيولة في الاقتصاد اللبناني لإنشاء شبكة أمان بالحد الأدنى والقيام بالإصلاحات كي يتمكن الاقتصاد من تمويل الخدمات الأخرى، وهذا يحصل إما بفرض مزيد من الضرائب، وهو أمر مستحيل حالياً؛ لأن اللبنانيين مفلسون، وإما من خلال الاستدانة، وهذا أيضاً غير متاح؛ لأننا لم ندفع الديون المتوجبة علينا أصلاً. أما الخيار الثالث؛ فيكمن في مساعدات دولية، خصوصاً المساعدات المعول عليها من صندوق النقد الدولي».