كتب مايز عبيد في صحيفة نداء الوطن:
ربّما هو الميلاد الأكثر حزناً وشدّة على اللبنانيين منذ زمن ليس بقريب. فقد استطاعت الأزمات التي تمرّ بها البلاد، لاسيّما الاقتصادية منها، أن تحرمهم فرحتهم حتى في الأعياد، خصوصاً الفقراء منهم. ثم جاءت “كورونا” لتمنع الجميع من التجمّعات، في ظروف لم يروا مثيلاً لها، حتّى في زمن الحروب الأولى.
لا تشبه سنة 2020 سابقاتها في شيء. للمرّة الأولى لا يشعر أبناء الشمال بالجوّ الميلادي. لا أجواء للعيد في هذه المناطق بكلّ بساطة. حتى لو حاول البعض شراء طعام العيد وتحضيره أو الحلوى المخصّصة له، أو صنع الزينة الميلادية داخل منازلهم، إلا أنّ ثمّة آخرين، وهم الأكثرية، ليسوا بقادرين هذه الأيام على تأمين أيّ واحدة من هذه الرموز الميلادية لأسباب عدّة، تأتي المادية في مقدّمها.
للمرّة الأولى نجول من طرابلس إلى البترون فجبيل، ونجتاز عشرات المدن والقرى والبلدات الشمالية، من دون أن نلمح شجرة ميلادية، كما كان يحصل في زمن الميلاد في السنوات الماضية، حين كانت البلدات تتسابق في ما بينها، على الفوز بأجمل زينة وأجمل شجرة. فعلى مسافة أيام قليلة من الميلاد، لا أشجار أو زينة ميلادية في مدينة طرابلس كما كان يحصل في السابق، وكذلك الحال ينسحب على قضاءي الكورة وزغرتا. ثمة زينة أمام بعض المحلات في الأسواق أمكن مشاهدتها في زغرتا وبعض قرى الكورة، وكذلك في قضاء البترون، لكنّ الزينة والأجواء الميلادية العامة التي كانت تمتاز بها مناطق الشمال غائبة هذه السنة، ولا يصحّ معها بالتالي أن نذكر المثل القائل “ما أشبه الأمس باليوم”.
بعض البلديات الشمالية اكتفت هذه السنة بزينة عبارة عن بعض الأضواء، على قاعدة “الكحل أحسن من العمى”، وبعضها الآخر لم يضع أي زينة تذكر من الأصل، فيما آخرون ما زالوا يحتفظون بزينة السنة الماضية كما هو الحال في بلدة أنفة. وفي هذا الصدد، يقول رئيس البلدية جان نعمة لـ “نداء الوطن”: “فضّلنا هذه السنة استعمال زينة العام الماضي وشجرة الميلاد واشترينا فقط إضاءة جديدة. نريد أن تبقى رمزية العيد من خلال هذه الإجراءات، لكنّ أوضاع الناس بالفعل صعبة جداً، وكذلك أوضاع البلديات والفقر يزداد. فالغلاء يكوي جيوب الناس وأزمة “كورونا” هي الأخرى لا يمكن تجاهلها. هذه السنة منعنا التجمّعات والشجرة الميلادية موجودة في ساحة البلدة فقط من أجل رمزية العيد”.
وفي مقابل بلدة أنفة التي استعملت زينة العام الماضي، ثمّة بلدات وقرى عدّة لم تضع الزينة في الأصل. وثمة مؤسسات ومطاعم وأماكن سياحية كانت تنتظر الميلاد لتضيء الشجرة الميلادية وتقيم الزينة بكل أشكالها، يفتقد روّادها هذه السنة للزينة الميلادية وكذلك للصورة تحت ضوء الشجرة. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، فحبشة العيد هذه السنة لها حساباتها. وفي حين لا تحلو السهرة الميلادية من دونها، لكنّها بالمقابل أصبحت أكثر كلفة على العائلات، سواء أكانت جاهزة من المطعم أو أرادت العائلة تحضيرها في المنزل، على حدّ ما تقول السيدة ريتا من أنفة، لـ”نداء الوطن”. وتضيف: “في السوبرماركت تباع الحبشة الواحدة نيّئة بـ 400 ألف ليرة، ومع المستلزمات الأخرى كالحشوة والتوابل، قد تصل تكلفتها إلى المليون ليرة. فمن يستطيع تأمينها في هذه الظروف الصعبة”؟
ومن طقوس العيد إلى حركة الأسواق، يؤكّد كلّ من التقيناهم من أصحاب المحلات في أسواق طرابلس وزغرتا وأميون، بأنّ “حركة العيد هذه السنة ضعيفة جداً، لا نبيع الملابس إلا نادراً والناس تفضّل أن تلبس ممّا لديها على أن تشتري بأسعار مرتفعة كما هو الحال الآن في الأسواق”.