IMLebanon

النازحون السوريون بين رحمة السماء… وهبوب العاصفة

كتب أسامة القادري في صحيفة نداء الوطن:

كما حلّ الشتاء ثقيلاً بأكلافه الباهظة على اللبنانيين وأمسى كارثياً، في كنف أزمات على كل الصعد، بدءاً من تفشّي “كورونا” وارتفاع الاسعار، أرخى أيضاً بأعبائه المادية والمعيشية على كاهل النازح السوري، في ظلّ تقلّص تقديمات وخدمات الجمعيات المحلية والاقليمية، فيما مفوضية الامم المتحدة للاجئين السوريين والمنظمات الدولية والانسانية تستمرّ، بالرغم من الوضع الكارثي، بانتهاج سياسة الشطب العشوائي لعائلات هي بأمسّ الحاجة للمساعدة، ما أجبر النازحين على جمع الأحذية والبلاستيك والاسفنج لاستعمالها وقوداً للوقاية من برد شتاء البقاع القارس، غير آبهين بما يتسبّب من امراض صدرية لدى الاطفال وكبار السنّ، وذلك لعدم قدرتهم على تأمين المازوت لارتفاع سعره في السوق السوداء وفقدان هذه المادة من المحطات البقاعية، اضافة الى عدم توافر فرص العمل.

كل ذلك وضع النازح على قارعة الامل بإجراء تسوية، تُخرجه من نفق النزوح المظلم الى بلاده من دون تهديد لحياته، بعد رفض نظام بشار الأسد عودتهم، ولا سيما عودة معارضي نظامه واستنساباته الطائفية والمناطقية.

يقيم في لبنان نحو مليون وثلاثمئة ألف نازح، والتجمع الأكبر لهم في محافظة البقاع الاوسط والغربي، حيث يقيم نحو 600 الف وينقسمون الى قسمين. ويقيم العدد الأكبر في المخيمات العشوائية المنتشرة في البقاعين الغربي والاوسط.

النازح محسن جمعة، القادم من حلب منذ 2012، والمقيم في أحد المخيمات العشوائية في برّ الياس، يبرّر استعماله البلاستيك والاسفنج وقوداً للتدفئة بالقول: “اذا الاكل مو قادرين نجيبه كيف بدنا نأمّن مازوت؟”. ولام المنظمات الانسانية ومفوضية الامم لشطبها اسمه، واضاف “على بلادي مو قادر ارجع، والامم شطبتني وعندي عيلة خمس ولاد وانا وامّهم، شو نعمل وكيف نعيش؟”.

حال يزن العزّام ليست افضل، يجري حساباته وما يتقاضاه كمساعدة من الامم المتحدة، مقارنة مع الاسعار الحالية، كل فرد “يصرف 40 ألفاً و500 ليرة أي ما يعادل (27 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، ما يعادل (5 دولارات)، على سعر الصرف الحالي.

اما منعم مازح، نازح من ريف دمشق، ومقيم في شقة سكنية مقابل 400 الف ليرة شهرياً، فلم ينعم بتقديمات الامم المتحدة، قال: “انا اعمل في البناء، وبسبب تردّي الوضع الاقتصادي، توقف عملنا كلياً منذ سنة، واسمي غير وارد في لوائح الامم، ما عاد عندي القدرة كفّي”.

ينهمك عمران الشول الحلبي بإصلاح خيمته المصنوعة من الخيش والنايلون والخشب بعدما خرّبتها العاصفة منذ ثلاثة ايام اثر تسرب المياه اليها، كما خرّبت جميع الممتلكات، وبلّلت الفرش، ويقول: “الشكوى لغير الله مذلّة، ما حدا بحبّ يبقى بالذّل والفقر، نطلب الرحمة من السماء لأن لا يكون الشتاء قاسياً”. عبارة كرّرها ليعبّر عن انتقاداته لمعاملة لبنانيين له ولسوريين بعنصرية. وتمنّى ان تسارع المفوضية الى تأمين مستلزمات الخيم لان غالبيتها تآكلت بسبب الشمس صيفاً.

واكد أحد العاملين في جمعية إقليمية أن سبب تراجع التقديمات منذ سنة تقريباً ناجم من الازمة المالية وقال: “نعاني من النقص في المساعدات الشتائية، كالبطانيات والمدافئ والشوادر البلاستيكية”.

من جهتها، الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا ابو خالد اكدت لـ”نداء الوطن” أن 9 من أصل كل 10 أسر سورية لاجئة في لبنان تعيش حالياً في فقر مدقع، وفقاً لدراسة نشرتها الأمم المتحدة، ذلك ان الانكماش الاقتصادي والتضخم الحاد وتفشّي الوباء وانفجار مرفأ بيروت قد دفع بالمجتمعات الضعيفة في لبنان وباللاجئين السوريين إلى حافة الهاوية، مع استفحال حالة الفقر والعوز التي تعيشها آلاف العائلات.

وتابعت ابو خالد نقلاً عن الدراسة “من أكثر المؤشرات المثيرة للقلق لتأثير الأزمات المتفاقمة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، الزيادة الحادة في نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع، إذ وصلت هذه النسبة إلى 89% في عام 2020، بعدما كانت 55% قبل عام واحد فقط. تعيش هذه الأسر حالياً بأقل من 308,728 ليرة لبنانية للفرد الواحد في الشهر – أي بأقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان.

تشرح ميراي جيرار في الدراسة كيف أن “الأزمات المتتالية قد أثّرت على جميع المجتمعات في لبنان – من سكان لبنانيين ولاجئين ومهاجرين وغيرهم – علماً أن الفئات الاضعف هي الأكثر تضرراً. وضع اللاجئين السوريين في لبنان يتدهور منذ سنوات، غير أن نتائج الدراسة لهذا العام تشكّل مؤشراً دراماتيكياً على مدى صعوبة الصمود والنجاة بالنسبة لهم”. كما اكدت الدراسة تراكم الديون على اللاجئين أكثر من أي وقت مضى بارتفاع ما نسبته 18% والسبب الرئيسي هو شراء الطعام. كل 9 اسر من أصل 10 تستدين لتعيش وبالتالي نصف اللاجئين يعانون من انعدام الأمن الغذائي عدا عن انعكاس “كورونا” على الطلاب السوريين، لمحدودية الوصول إلى التعلم عن بعد وبالتالي ارتفاع في نسبة عمل الأطفال.