كتبت منال زعيتر في صحيفة اللواء:
ليس تفصيلا ان يتدخل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في «الصلح» بين رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري …كل المعلومات تشير الى ان بكركي تحركت بايعاز من الفاتيكان الذي بدا يضغط باتجاه تشكيل حكومة لانقاذ العهد ودور المسيحيين في لبنان ، بعدما تلمّس وجود مسعى «دولي- اقليمي» جدي لعقد تسوية في المنطقة بعد تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن الحكم، وحسب المعطيات فان هذه التسوية لا تلحظ اي دور اساسي للمسيحيين كالدور المعطى لهم حاليا .
لعل اكثر ما حرك مخاوف الحاضنة المسيحية هو التيقن انه بوجود تسوية او عدمها، فان الرئيس عون هو اخر رئيس مسيحي قوي وله حيثية شعبية، وعلى حد تعبير مصادر لبنانية ودبلوماسية فان « اي رئيس في المستقبل سيكون مثله مثل اي موظف فئة اولى» .
الا ان الجديد هنا هو اعتراف قوى اساسية في لبنان بدقة هذه المعلومات وصحتها ، وذهب البعض الى القول بأن تسلم عون والتيار الحر العهد اساء الى المسيحيين ودورهم وسحب اي امتيازات كان بامكانهم تحصيلها في اي تسوية مقبلة.
وهنا نأتي الى واقع تشكيل الحكومة الذي يفصل حسب المعطيات المتوافرة على قياس «التسوية المقبلة»، حيث يتمحور الخلاف الان حول ثلاث نقاط:
النقطة الاولى : هل حكومة الحريري ستكون اخر حكومات العهد، واذا كانت كذلك فهل حكومة بهذه المواصفات قادرة على تطبيق اي تسوية دولية حول لبنان ، او باضعف الايمان القيام بالدور الرئاسي والحكومي معا على اساس ان الفراغ في الرئاسة الاولى والتمديد لمجلس النواب امر محتوم اذا تاخرت التسوية او تعرقلت لاي سبب من الاسباب.
النقطة الثانية: اذا اعتبرنا ان حكومة الحريري موقتة لتمرير مفاعيل ازمة انفجار مرفأ بيروت والتحضير للتسوية ومواجهة اية خضات امنية واقتصادية واجتماعية ، فهل يمكن الاتفاق خلال هذه الفترة المؤقتة على تشكيل حكومة اخرى وهل يتحمل لبنان والعهد خضة حكومية جديدة ؟
النقطة الثالثة والاساسية: هل سعد الحريري قادر على ادارة حكومة الجمهورية الثالثة او تحضير الارضية السياسية لها، ومن هي الشخصية البديلة القادرة على هذا الدور في ظل رفض قوى اساسية في البلد حتى اللحظة للبديل «الدولي-الاقليمي» المطروح؟
بناء على ما تقدم ، تقول المصادر القيادية في 8 آذار انه لا يمكن عزل مطالبة القوى الحاكمة فعليا في البلد بحكومة اقطاب ورفضها خزعبلات الوزراء «الاختصاصيين» عن ما يحصل دوليا ، وتؤكد ان هذا التباين «الداخلي-الدولي» في كيفية مقاربة دور الحكومة في المرحلة المقبلة هو جوهر المشكلة.
ولكن اذا اردنا، والكلام للمصادر، محاولة تضييق ازمة الحكومة وحصرها بالخلافات الداخلية فقط، يمكن تسجيل المعطيات التالية التي يمكن الاستناد عليها للتاكيد بان ولادة الحكومة باتت قريبة جدا، واللقاء المرتقب بين عون والحريري هو لقاء تمهيدي واساسي ما قبل الاعلان عن ولادتها:
بالنسبة للمعطى الاول، فان ما يشاع عن تخوف الحريري وفريقه السياسي من العقوبات الاميركية في حال تشكيل حكومة لا ترضي واشنطن هو ترهات بالمعنى الكامل، اذ ان المعنيين بالعقوبات المزمع الاعلان عنها اول السنة المقبلة تبلغوا بها بالاضافة الى كافة الدوائر اللبنانية الرسمية وبالتالي فان الادارة الاميركية لن تدخل بين ليلة وضحاها اسماء جديدة على اللائحة، وجل ما يمكن ان يحصل الان قبل 20 كانون الثاني هو الاعلان عن كافة الاسماء المشمولة بالعقوبات دفعة واحدة في حال تم تشكيل حكومة لا ترضي ادارة ترامب، في حين ان تاخير تشكيل الحكومة الى ما بعد دخول بايدن الى البيت الابيض قد يؤدي في احسن الاحوال الى تاخير الاعلان عن بعض الاسماء فقط.
اما المعطى الثاني فيشير بوضوح الى ان خلاف العهد وباسيل مع الحريري لم يعد مشكلة بعد تذليل كل العقبات سواء بالنسبة لما حكي عن الثلث الضامن او تسمية الوزراء المسيحيين او شكل الحكومة وعددها (6-6-6)، والمفارقة هنا ان الاخذ والرد حول الثلث الضامن لم يكن ذا معنى سيما وان حزب الله لن يتخلى عن عون او التيار وباستطاعته تامين الضمانة المطلوبة لحمايته حكوميا مهما كان حجم تمثيله.
في حين ان المعطى الثالث يؤكد وجود تطمينات فرنسية ودولية للحريري لتشكيل حكومة قبل 20 كانون الثاني ، وتضمنت هذه التطمينات اطلاق يد الحريري لتشكيل حكومة بمشاركة كل القوى اللبنانية وتحديدا حزب الله، وفي هذا الصدد، كشفت المصادر القيادية في 8 آذار عن تبلغ الحريري رسميا من الجهات الدولية المعنية عدم وجود اي فيتو على مشاركة الحزب في حكومته، وبالتالي فان هذه المشكلة ايضا لم تعد موجودة، والجدير بالذكر هنا ان الحريري متفاهم مع الحزب وحركة امل على كل التفاصيل المتعلقة بحصة الشيعة في الحكومة سواء بالنسبة للاسماء او الحقائب.
ويبقى في المعطى الرابع التاكيد على ان دخول الراعي على خط التهدئة لم يات دون ايعاز دولي ودون توافق بين بكركي والقوى اللبنانية المعنية بتشكيل الحكومة والمعارضة لها في آن، ونقل عن المصادر قولها ان حركة الراعي لتقريب وجهات النظر واجراء مصالحة لعون وباسيل مع الحريري تم تنسيقها مع الثنائي الشيعي وجاءت بالتوازي مع حركة لافتة للثنائي على خط «بعبدا-بيت الوسط» ، واضافت المصادر ان المبادرة المستجدة ليست تقطيعا للوقت وتحظى بشبه مباركة «دولية-عربية- اقليمية».