كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:
أن يسقط لنا شهداء في الحرب، فأمر مبرّر، لكن أن يُضاف إلى قافلة شهدائنا شهداء جدد في ايام السلم، فهو أمر مذلّ وجارح للمشاعر الوطنية. لدى دخولك إلى مقرّ فوج إطفاء بيروت، يستقبلك أبطال «القلعة» الـ10 بالترحاب، ضاحكين، مانحين لنا الأمل بلبنان، سائلين ألّا نخاف، لا نيأس، لأنّ طريق اليأس والخوف هي الاستسلام، وقصة بناء الأوطان عبر التاريخ، لا تحتمل الاستسلام، بل قصة مضرّجة بدماء شبابها النقي، عشقاً بثالوث وطن «حرّية، سيادة واستقلال».
ولأنّه ميلاده، هو الطفل المخلّص، ولأنّ لا أحد أقوى من الربّ، يتجدّد الأمل، ولو بشكل بصيص. ومن هذا البصيص، قليل من الضوء، على فريق ضحّى، وعانى، وبكى على أطفال شهداء، هم شهداء إطفاء فوج بيروت.
الجميع بانتظار القضاء للوصول إلى تحديد المسؤوليات في انفجار الرابع من آب ولأن يأخذ مجراه في التحقيقات، التي تحولت إلى لعبة Volleyball، يتقاذف أطرافها الطابة، تفادياً لسقوطها في ملعب أحد، لكن في النهاية، لا بدّ للحقيقة من ان تنتصر.
لكنّ، انعدام مسؤولية المسؤولين، لم يؤثر على فريق فوج إطفاء بيروت، الذي قدّم 10 من خيرة شبابه شهداء، ولا على الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية والمحلية المتضامنة معه، فكان بالأمس على موعد مع لقاء مع «مؤسسة المقدّم المغوار الشهيد صبحي العاقوري»، التي شارك أطفالها أبناء من استشهدوا في انفجار المرفأ واهاليهم قليلاً من فرحة العيد، لأنّ «الإيمان بالنسبة لهم لا يتزعزع بيسوع، وهو الطريق والحق والحياة، وبه ننتصر مهما اشتد الظلم وأمعنت الأيام في جورها».
ضاهر
سفيرة لبنان في إيطاليا ميرا ضاهر، التي شاركت في الحفل الذي أقيم في الكرنتينا في مقر الفوج، أشارت في حديثها لـ»الجمهورية»، إلى أنّ إيطاليا لطالما وقفت إلى جانب لبنان في الأزمات، وهي بعد انفجار الرابع من آب، قدّمت ولا تزال المساعدات. كانت أول من بدأت بإرسال المساعدات الغذائية والوفود المساعِدة في التحقيقات وغيرها، والجيش الإيطالي كان أول الواصلين إلى المرفأ للوقوف الى جانب الجيش اللبناني».
وفيما تمّ تقديم 10 آليات إطفاء لفوج إطفاء بيروت كهبة من الحكومة الإيطالية، اشارت ضاهر إلى أنّها «تقوم بجهود كبيرة لإرسال المزيد من التقديمات اللوجستية من عتاد وألبسة وغيرها للفوج». وتضيف: «ما حدا رح يطّلع فينا اذا ما طلعنا ببعض».
وتقول: «المناسبة أمل، وإضاءة الشجرة هي للتأكيد أنّ غدنا مشرق، ودم الشهداء الذين سقطوا في الانفجار سيروي الأرزة اللبنانية التي تؤكّد على صمود اللبنانيين في بلدهم، وتؤكّد انّ لكل شهيد، هناك ابن وأب وزوجة يكملون مسيرتهم. سنؤكّد كما دائماً، أنّ المستقبل لنا، ونحن موجودون ولن نستسلم أبداً».
واعتبرت أنّ «أي بلد لا يمكنه النهوض من هكذا نكبة منفرداً، لذلك، هناك بلدان مثل إيطاليا يمكن الرهان عليها من اجل مساعدة لبنان للخروج من نكبته». ونوّهت بتعاون وزارة الخارجية الإيطالية مع السفارة اللبنانية وما تطلبه من اجل لبنان واللبنانيين، مؤكّدة انّ «لبنان لا ولن يموت، وسنعود ونبني لبنان، وسنولد من جديد مع ولادة المخلّص».
أهل البيت
رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت الملازم أول علي نجم، يقول لـ»الجمهورية»: «عيد الميلاد هو عيد مجيد وولادة سيّدنا عيسى عليه السلام هو فرح للبشرية كلها، وولادة «نبيّ الفرحة». وعلى خلاف الآخرين، كفوج إطفاء بيروت، عمدنا الى تزيين شجرتنا بصور شهداء الفوج، وما بقي من ثيابهم الممزقة، لكن هذا لن يقتل إصرارنا وتأكيدنا على استمرارية الفوج بالتعامل مع الحوادث وعمليات الإنقاذ والإخماد. وكما لبّى الشباب نداء 4 آب، ورحلوا إلى حيث الخطر، نحن أيضاً جاهزون لإكمال مسيرتهم».
هذه الإرادة والتصميم، لا يُقابلان بالمبادرات المطلوبة واللازمة، وخصوصاً على مستوى القيّمين والمعنيين في الدولة، مع ما يتطلبه الأمر من تأمين معدات وأجهزة حديثة.
نجم الذي يشكر كل من قدّم وردة لشباب الفوج، يؤكّد أنّ «عمل رجل الاطفاء يتطلب أجهزة ومعدات وألبسة خاصة به، لذا من المفترض ان نكون مجهّزين بأحدث الأجهزة والمعدات والآليات وسيارات الإسعاف، إلّا أننا نفتقدهم في فوج إطفاء بيروت، على رغم أنّ بعض الجمعيات والدول الصديقة مثل ايطاليا وفرنسا منحت هذا الفوج سيارات إطفاء، وكندا منحت ألبسة وعتاداً ولكن «مستعملة».
ويضيف نجم: «كرجال إطفاء، نضحّي ونذهب إلى حيث الخطر لتأمين سلامة المواطنين، لكن، يجب على المؤسسة التي ننتمي إليها والمعنيين بالموضوع، ان يعملوا على تأمين حمايتنا الشخصية، وإلّا لن يكون بمقدورنا حماية الغير، فعندما أفقد سلامة نفسي كيف يمكن ان أؤمّن سلامة غيري». انطلاقاً من هنا، يطلب نجم تجهيز الفوج بمعدات حديثة، للصمود والقدرة على أداء مهامه في الإنقاذ، خصوصاً أنّه فوج إطفاء العاصمة. ويقول: «هناك نقص في المعدات وفي الآليات ونقص معدوم بالاسعاف، لكن لدينا أبطال، رجال لا يهابون الموت، ومستعدون للتضحية».
نجم، وجّه تحية لمحافظ بيروت القاضي مروان عبود، الذي يحاول بكل إمكاناته إزالة الغبن عن الفوج، مستذكراً أول اجتماع له يوم تفجير المرفأ: «انا بيكن وبيروت إمكن، ولن اتخلّى عن بيروت ولا عن اولادي».
أهالي الشهداء
أهل الشهيد جو بو صعب، تحدثوا بحزن وغصّة لـ«الجمهورية»، خصوصاً انّ الأسبوع الفائت صادف عيد ميلاد جو، فقالوا: «أول وأصعب عيد بغياب جو، حرمونا الفرحة». «لا ننتظر شيئاً من الدولة، «كلّن كذّابين وعم يضحكوا علينا»، ويبدو أنّه سيأتي يوم ونأخذ حقنا بيدنا».
وأبدى الأهل امتعاضهم من مسألة استدعاء الوزراء والنواب للتحقيق معهم، وكيفية المراوغة فيها من قِبل البعض، والحديث عن حصانات وغيرها، فيما هناك نحو 200 شهيد واكثر من 7 آلاف جريح سقطوا جراء الانفجار، معتبرين انّه لو كان لديهم قليل من الشرف لرحلوا جميعاً.
ويضيفون بحرقة قلب: «على دوره حصل أكبر انفجار»، انشالله ما يلاقو مين يوقف على خاطرن وما يلاقو مين يلمّن، نِحنا دفنّا موتانا بس منتمنى ما يلاقو مين يدفنن».
واكّدوا انّهم «مصرّون العمل حتى النهاية للوصول إلى الحقيقة، «مشوارنا مكمّل»، مهما كلّف الأمر».
خاتمة
رالف ملاحي، جو بو صعب، سحر فارس، ألكسندرا نجار، أليس باليان، كريستال العضم، غسان حصروتي، جو نون، علي اسماعيل… وغيرهم ممن التحقوا بقافلة الشهداء من أجل لبنان.
كلماتٌ كثيرة قيلت عنهم وتُقال. لا شيء يعيد ما فُقد في 4 آب. ولعلّ ما قاله آمر «الفصيلة السابعة» في فوج إطفاء بيروت ريمون فرح، خير تجسيد لعمق الوجع: «هناك من يقول ويعبّر وهناك من يُبقي الجرح في قلبه». فتحية لكلّ أفراد الفصيلة السابعة الأبطال، ستبقى ذكراكم مخلّدة في ضمير ووجدان ومسيرة اللبنانيين الثوار والوطنيين، والتواقين إلى الحريّة والسيادة والاستقلال. ستبقون ذكرى خالدة، ومن أجلكم، ومن أجل كل الذين رحلوا، سنحمل المشعل، ليبقى لبنان».