هل يصدّق اللبنانيون الاجواء الايجابية التي اشيعت في اعقاب لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس المكلف سعد الحريري عصر امس؟ هل يلدغون من الجحر نفسه من جديد؟ السؤال مشروع وبقوّة. ونظرا الى التجارب السابقة مع المنظومة الحاكمة، والى وضعها مصالحها فوق كل اعتبار تحت شعار “من بعدي فليكن الطوفان”، يجب ان نحذّر اللبنانيين من التصديق بعجائب او “هدايا” يمكن ان تقدّمها لهم هذه الطبقة، لكن، والكلام هذا تقوله مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، اليوم ثمة عوامل ضاغطة، لم تكن حاضرة بهذا الحجم في السنوات او الاشهر او الاسابيع الماضية، قد تدفع بالقوى السياسية كلّها الى النزول عن الشجرة والذهاب “طوعا” – لان البديل هو “عنوة” – نحو “تسوية” حكومية ما.
هذه العوامل، وفق المصادر، تتمثل اولا في دخول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي شخصيا ومباشرة على خط عملية التأليف، دافعا وضاغطا نحو اعادة الدفء الى خط بعبدا – بيت الوسط بعد ان تكوّنت عليه طبقة جليد سميك قطع التواصل بين المعنيَين الاساسيين بعملية التشكيل. وبكركي وسيّدها – بما ومن تمثل وطنيا وتاريخيا، وقد “أعطي لها مجد لبنان” لا يمكن – أقله لياقة – ان يتم “كسرها” على يد الاحزاب والقوى السياسية ومحاصصاتها وحساباتها و”ألعابها الصبيانية”.
العامل الثاني الضاغط يتمثل في الوضع المالي – الاقتصادي- المعيشي الكارثي الذي ما عاد يحتمل دقيقة مماطلة واحدة، وقد تجاوز كل الخطوط الحمر. فتشكيل الحكومة يجب ان يحصل الامس قبل اليوم، في ظل شح احتياطي المصرف المركزي وتناقص قدرته على دعم السلع الاولية الاساسية في حياة المواطن من الدواء الى الطحين وصولا الى المحروقات. وفيما سعر صرف الدولار يحلّق والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والسياحية والصناعية (…) تلفظ تباعا انفاسها وتسرّح موظفيها، الحبلُ على الجرار، والمعطياتُ المتوافرة من الداخل والخارج تفيد بأن ساعة ارتطام المركب اللبناني المشلّع بالقعر اقتربت، لا بل اقتربت جدا، وعواقبها ستكون وخيمة في الشارع والامن، وستفجّر غضبا اجتماعيا غير مسبوق. ولتفادي هذا السيناريو “الجهمني”، والتعبير لرئيس الجمهورية، من الضروري تأليف حكومة كاملة الصلاحيات تجلس في قمرة القيادة، وتتولى عملية ايصال السفينة ومن عليها الى برّ الامان، بالتعاون مع المجتمع الدولي ومؤسساته وأولها صندوق النقد الدولي، وفق خطة واضحة المعالم تنكب على تطبيقها، واصلة الليل بالنهار. و”للمفارقة”، فإن مجرد حديث الحريري امس بنبرة ايجابية عن التشكيل، ساهم في خفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
اما العامل الثالث، تتابع المصادر، فعنوانه “المبادرة الفرنسية”. فالقوى السياسية باتت تدرك ان هذه المبادرة التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من بيروت غداة تفجير المرفأ في آب الماضي، هي خشبة الخلاص الوحيدة للبنان، وصلة الوصل بينه والمجتمع الدولي والدول المانحة. فتضييعها ستكون عواقبه وخيمة وسيُفقِد لبنان آخر انبوب يمكن ان يمدّه بالاوكسيجين ليبقى على قيد الحياة في المرحلة المصيرية التي يمر بها. ولعدم خسارتها، على الحكومة المؤلفة ان تلبّي شروط المبادرة وجوهرها، أي ان تتكوّن من شخصيات كفوءة، صاحبة اختصاص غير مكبّلة حزبيا، قادرة على نيل ثقة المجتمع الدولي.
فهل ستفعل هذه العناصر كلّها فعلها ونشهد الولادة الحكومية قبل الميلاد او رأس السنة؟ هل سيتمكن عون والحريري من ايجاد ارضية تفاهم في ايام قليلة، عجزا عن ايجادها في اشهر، فنبدأ العام الجديد ببارقة امل؟ ام سيبقى الخلاف على الحصص، وعلى الداخلية والعدل والثلث الضامن، وعلى التي تسمّي الوزراء، أقوى من كل الاخطار التي تحتاج علاجا، وأقوى من كل الوسطاء، فتضعَ المنظومةُ بيديها، لبنان على الطريق السريع نحو المصير الأسوأ؟