كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يُعيّد لبنان غداً عيد الميلاد المجيد، هذا العيد الذي كان يتخطى معناه الديني في السنوات الماضية ليصل إلى درجة تدلّ على وجه لبنان المضيء في الشرق.
يُجمع الزعماء المسلمون على القول إن لبنان من دون مسيحيين يتحوّل إلى صحراء قاحلة، كما أن هناك مقولة سارية وهي أنّ المسلم اللبناني يختلف عن المسلم في الشرق والمسيحي اللبناني يتميّز عن مسيحيي أوروبا والغرب، وكل ذلك مردّه إلى التعايش والإختلاط الموجودين بين المسيحيين والمسلمين في بلاد الأرز.
وعلى رغم نعمة التعايش إلا أنّ أحداً لا يمكنه إنكار أن هناك تنافساً وتنازعاً على الحجم والدور، وسط الحديث عن تراجع في الحضور المسيحي، بينما الحقيقة أن الإنهيار والمصائب تضرب جميع اللبنانيين من دون استثناء، وإن كان المكوّن المسيحي سريع “العطب”.
ويتخوّف البعض من أن مسألة رفع الدعم ستقضي على الطبقة الوسطى الموجودة بشكل أكبر في المناطق المسيحية، وبالتالي فان ما يُحكى عن سيناريوات مطروحة يؤثّر سلباً على المكوّن المسيحي الذي لا يزال يكابر على وضعه حتى الساعة، في حين أن لوائح وزارة الشؤون الإجتماعية المختصة بالمساعدة للأسر الأكثر فقراً تضم نحو 80 في المئة من المسلمين لأن العائلات المسيحية لا تُقدم على تسجيل نفسها، وهذا السيناريو يشبه إحجام المسيحيين عن الإلتحاق بالجيش وسط إقبال إسلامي على التطوّع.
وتتخوف المرجعيات المسيحية من التحوّل الذي يحصل في البنية اللبنانية والتي تطال ثقافته، وهذا التحوّل يترافق مع أزمة إقتصادية حادة أدّت إلى غياب الزينة عن معظم الشوارع، فبعدما كان لبنان يُحطم في زمن الميلاد الأرقام القياسية في أكبر شجرة ميلاد وأجمل إضاءة، دخل التاريخ في أكبر إنفجار هزه نتيجة تخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ما دمّر الأحياء المقابلة لموقع الإنفجار وشرّد أهلها.
لا يُنكر أحد أن الواقع المسيحي صعب لكن لا يمكن فصله عن الواقع اللبناني، وتغيير وجه لبنان لا يحصل من المسلمين كما يحاول البعض الترويج له، بل إن عدداً لا يُستهان به من القوى المسلمة تتمسّك بلبنان “سويسرا الشرق”، بينما الحقيقة أن هناك أيادي مسيحية تعبث أيضاً بهذا الوجه الجميل الذي كنا نتغنى به سابقاً، وهذه الأيادي ساهمت في تغطية “الدويلة” وضرب علاقات لبنان مع الدول العربية والدول الغربية، ما انعكس سلباً على الوضع الإقتصادي والسياسي للبلد ودفع المكوّن المسيحي فاتورة لا يُستهان بها، فبعدما حوّل المسيحي اللبناني بلده إلى صلة وصل بين الشرق والغرب، تعيش البلاد اليوم في عزلة لا مثيل لها ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى رفع راية الحياد لإنقاذ ما تبقّى من شرعية ومؤسسات.
يحلّ الميلاد هذا العام ولبنان الكبير الذي أسسه البطريرك الماروني المكرّم الياس الحويك يعاني الأمرين، إقتصاد مدمّر، عاصمة تلملم جراحها، عائلات تعيش مآسي إنفجار المرفأ، مصابون يتحملون آلام جراحهم، مواطنون يجوعون ويحلمون بالهجرة، مصارف على شفير الإفلاس، جنى عمر الشعب ضاع، دولة تفقد هيبتها ودويلة تسيطر عليها بغطاء رسمي، كل هذا الوضع يدفع المسيحي واللبناني إلى مزيد من اليأس والعمل على ترك البلاد، ولولا فيروس كورونا لكان الشباب بمعظمهم غادروا الوطن وأُضيفوا إلى لائحة المهاجرين.
كل ذلك يحصل، في وقت هناك فئة كبيرة وكبيرة جداً لا يُستهان بها من المسيحيين قررت الصمود والتصدّي والعودة الى الأرض، مثلما عاش الأجداد ومكافحة كل الأزمات على اعتبار أن ما يمرّ الآن ليس إلا نقطة في بحر النضالات السابقة وذلك كي يبقى لبنان كما كان، منارة الشرق، لأنه إذا مرّت أزمة فلا يعني أنه يجب هجر البلاد، بل إنّ الوطنية تغلب رغم المصاعب وحلم إعادة البلد إلى سابق عصره يبقى قائماً.