كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كان واضحاً منذ جلسة الامس بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ان الايجابية مجرد محاولة فارغة من اي مضمون، بدليل تراجع الرئيس المكلف عن تفاؤله مرحّلاً وعده بتشكيل الحكومة الى ما بعد رأس السنة، فأجواء “8 آذار” ترى أن “الحريري لا يزال مستمراً في سياسة كسب الوقت، بينما هو يؤجل في سره تشكيل حكومته الى ما بعد تسلم الادارة الاميركية الجديدة أواخر كانون الثاني، أي مرحلة التسليم والتسلم بين إدارتي ترامب وبايدن”.
بين إجتماع الامس والذي سبقه لم يتجاوز البحث حدود تكرار الكلام ذاته وتمسك الحريري بمواقفه القديمة وبتشكيلة حكومته كما سبق وسلمها. يجهد الحريري في التمييز بالتعاطي بين المسيحيين وعون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. “يحاول ان يوحي ان لا مشكلة لديه مع المسيحيين بدليل تفاهمه مع البطريرك الراعي وقد وقف على تمنيه بزيارة بعبدا، بينما المشكلة هي مع عون وباسيل اللذين لا يبديان اي تجاوب معه بتشكيل حكومة من الاختصاصيين، علماً ان شخصيات سياسية مسيحية باتت غير مقتنعة بطرح الحريري وطريقة تعاطيه مع موقع رئاسة الجمهورية، بغض النظر عن شخص الرئيس”، على حد قول المصادر نفسها.
الى بعبدا توجه الحريري على مدى يومين مع طرحه القديم من دون زيادة او نقصان، “مختلقاً الاعذار ومتمسكاً بصورة غير منطقية بحقائب الداخلية والعدل والاتصالات والطاقة وبتسمية الوزراء المحسوبين عليه، رافضاً مشاركة الرئيس بالأسماء ومصراً على تسمية وزراء مسيحيين ويريد أن يوافق مسبقاً حتى على الذين يسميهم الرئيس”. وتقول مصادر من “8 آذار” إطّلعت على فحوى اجتماع الامس: “يعلم الحريري ان عون لن يتراجع عن مطلبه مهما استغرق التشكيل وقتاً، بعد جهد جهيد وافق الحريري على منح عون 5 من اصل 7 وزراء مسيحيين بزيادة وزير تتم تسميته بالتشارك بينهما لحقيبة الداخلية. لكن الحريري تراجع عن مبدأ المشاركة مع عون باختيار هذا الوزير واختاره من المقربين اليه. وبينما يتمسك عون بالعدل يتخوف الحريري وحلفاؤه من داعمي وصوله لرئاسة الحكومة من اسنادها الى فريق عون، خشية اثارة المزيد من الملفات”.
لا تجد المصادر “اكثر من محاولة الحريري زرع آمال زائفة للرأي العام وإيهامهم ان الحكومة يمكن ان تتشكل قبل الميلاد، ثم انتقل الى تحديد موعد جديد الى ما بعد رأس السنة، بينما هو ضمناً يماطل الى ما بعد العشرين من الشهر المقبل”. هي محاولة كسب وقت لم تعد تنطلي على الجميع بمن فيهم “حزب الله”، الذي وبخلاف ما يصور الحريري لم يسلم بعد اسماء وزرائه للرئيس المكلف، الذي حاول تزكية مي زاهي كنعان والتي رفضت توزيرها طالما لم يرشحها الثنائي الشيعي، أما محمد مرتضى فهو اقرب الى “حركة امل” منه الى “حزب الله” ووالده كان يعمل مع الحريري. هي اذا اسماء استخدمها الحريري وضمّها الى لائحته في محاولة للضغط على عون، الذي يعلم تماماً كما باسيل ان “الحزب” لم يسلم اسماءه بعد التي لا يعلم بها الا الحلقة الضيقة في “حزب الله”.
قبل زيارته الى بعبدا بدا الحريري كمن يحاول تسجيل نقاط على عون واحراجه. ولذا علق نواب المستقبل آمالا على اجتماع الامس على اساس ان الفرص ضاقت ولم يعد امام رئيس الجمهورية الا التراجع. رشح الحريري زياد ابو حيدر وهو ارثوذكسي للداخلية ورفض احتساب العدل من حصة عون ويرغب باسنادها الى ابنة الوزير السابق عمر مسقاوي، ويعتبر ان المالية من حصة الفرنسيين ويرشح للاتصالات فادي سماحة وللطاقة جوزف صدي، وبذلك لم يترك لرئيس الجمهورية اي حقيبة وازنة طالما انه منح الخارجية والزراعة للاشتراكي على اعتبار ان الدفاع ستبقى من حصة عون وهذا يكفي.
وليس تعاطيه افضل مع حليفه سليمان فرنجية وهو لغاية اليوم لم يستشره بالاسم ولا بالحقيبة التي ستكون من حصة تياره. كما لم يتشاور مع “حزب الله” ويعتبر ان اتفاقه مع عون حين ينجز فالاتفاق مع “حزب الله” ينتهي بمكالمة هاتفية.
قبل زيارته بعبدا اتصل الحريري بأحدهم يبلغه “انا طالع على القصر وبدي تمشي القصة قول لاصحابك حاجي يدلعوا جبران”. لكن اصحابه المقصودين اي “حزب الله” باتوا على قناعة ان الحريري ليس جدياً بنيته تشكيل حكومة عما قريب، وهو يعطي لعون حقه في الاختيار كحق غيره وهو ما يمارسه الحريري على حصته التي يرفض مشاركة الآخرين فيها. واكثر من ذلك تنقل المصادر ان “الفرنسيين سبق وتسلموا عبر باتريك دوريل لائحة من خمسة اسماء مرشحين من قبله لم يختر واحداً من بينهم الحريري. ولغاية اليوم لم يتباحث الحريري مع الارمن ويتصرف نيابة عنهم. هذا فضلاً عن ان اقتراحه لبعض الاسماء في الحكومة ليست على هذا القدر من المسؤولية ولا تتناسب مع طبيعة المرحلة التي تمر فيها البلاد”. تعتبر المصادر المعنية عينها ان “مشكلة الحريري عناده وتصوره ان عون يمكن ان يتراجع عن حقه في ابداء رأيه واقتراح اسماء الوزراء في الحكومة، وهو اذ يستظل المبادرة الفرنسية فان الفرنسيين الذين يراجعون بخصوص مساعي الحكومة يأتيهم الجواب سلبياً”.